المحرق الشماء ستوقف نعيق الغربان؟!
عيسى سيار
تمر المحرق الشماء الأبية والتي كتب أهلها ومناضلوها منذ أيام الغوص مروراً بالخمسينيات والستينيات والسبعينيات تاريخها الوطني بحروف من نور، تمر هذه الأيام بظروف استثنائية لم تعهدها هذه المدينة العتيدة على مدى تاريخها الحديث، وتتمثل في قيام مجموعات متطرفة أو يمكن تصنيف بعض من أعضائها بأنهم مأجورون، بعض هؤلاء كانوا في يوم من الأيام يناصبون العداء للرموز الوطنية، وأصبحوا في ظل التداعيات الأخيرة شخصيات وطنية تدافع عن الدين والوطن وحامية للديار ومن المؤسف والمؤلم حقاً أن يتم دعوتها إلى الاجتماع الذي دعا إليه محافظ المحرق عندما زار أخيراً سمو ولي العهد المحرق ومن هنا أوجه تساؤلي للسيد المحافظ هل بعض من دعيتم وأنت تعرفهم جيداً دعاة تسامح ومصالحة؟
لقد كنت في زيارة قبل أيام قليلة للوالدة يحفظها الله، وكان بمجلسها عدد من النسوة يتحدثون بقلق وحسرة عن المواجهات الأخيرة في المحرق ومطالبات بعض دعاة الفتنة بإيقاف مواكب العزاء خلال عاشوراء وعدم السماح للمعزين بالخروج إلى الشوارع وذهب البعض منهم إلى المطالبة بإغلاق المآتم! وقد كان موقف النسوة واحداً وصوتهم واحداً وقالوا باللهجة العامية «يا ولدي من فتحنه عينه واحنه نشوف العزاء والشيعة إخوانه وأهلنه ومادام ما يعملون مشاكل ليش هذلين الناس يريدون يوقفون العزاء» لا أعتقد بأن هناك أحد من أهل المحرق يملك قولاً أكثر دلالة أو بلاغة مما قالته النسوة.
إن أهل المحرق المعروفين بعلاقاتهم الحميمة مع بعضهم البعض منذ الأزل والذين سطروا ملاحم نضالية عند المنعطفات التاريخية وانصهروا في بوتقة ديموغرافية واحدة لم ولن يسمحوا لخفافيش الظلام أن يضربوا السلم الأهلي في مدينتهم العتيقة، المدينة التي أطلقت شرارة المقاومة ضد المستعمر وضد الظلم، المدينة التي عندما يستحضر الناس التعايش السلمي تكون المحرق الشماء حاضرة.
إن من يقف وراء هذه المجاميع التي تطالب بضرب اللحمة الوطنية من خلال افتعال فتنة هنا وهناك وهم معروفون لأهل المحرق، وإذا كانوا بالفعل حريصين على أهل الديرة عليهم بالمطالبة بتحسين أحوال أهل المحرق، حيث يعيش الكثير من أهلها تحت خط الفقر وعليهم أن يتحركوا بإيجاد المساكن اللائقة لأهل المحرق والذي ينتظر الكثير منهم لمدة تتجاوز خمس عشرة سنة من أجل أن يحصلوا على مسكن لائق لأسرته، وعليهم أن يساهموا بإيجاد وظائف لشباب وشابات أهل المحرق المتخرجين من المدارس والجامعات حيث يمكث الكثير منهم سنوات دون وظيفة، هنا تكمن الرجولة والشهامة الحقة!
إن البحرين المعروفة ومنذ الأزل بالتسامح والأخوة وهكذا قالت عنها أسطورة جلجامش في حضارة دلمون «بلد لا ينعق فيه الغراب، بلد المياه العذبة، بلد الخصب والنماء». والمقصود بأنها البلد الذي لا ينعق فيه البوم هو أن البحرين بلد لا يعرف الفتنة ولا التشاؤم طريقاً إليها وإلى نفوس أهلها والذين تظللهم ظلال الأخوة والمحبة. وهنا يحضرني بيت الشعر التالي:
إذا كان الغراب دليل قوم
فردّهم إلى دار الخراب
إنني أطالب ومن خلال هذا المقال أهل المحرق الشرفاء بشكل عام والشخصيات المحرقية المعروفة بنزاهتها وأمانتها ووطنيتها بشكل خاص بأن يتحركوا وقبل فوات الأوان من أجل إيجاد وسيلة أو آلية لرأب الصدع الذي حصل في المحرق، وتفويت الفرصة على البوم والغربان قبل أن ينجحوا في تنفيذ مخططاتهم الرامية لضرب اللحمة الوطنية في المحرق، كما أدعوا مؤسسي لجنة المحرق للسلم الأهلي إلى التواصل مع بعضهم البعض من أجل تهدئة النفوس والخواطر ورأب الصدع، فالمحرق برجالها الشرفاء قادرة على تضميد جراحها من خلال مساعي أهلها الطيبين خفافيش الظلام. فمن يرفع الشراع؟
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3383 – الإثنين 12 ديسمبر 2011م الموافق 17 محرم 1433هـ