المحرر السياسي : قرن على وعد بلفور ترجمة لمشروع قديم جديد ضد أمتنا المجيدة
حزب طليعة لبنان العربي الإشتراكي
المحرر السياسي
30-10-2017
المحرر السياسي
30-10-2017
وعندما نكتب عنه ليس من باب التذكير، ولا من ضرورات الحديث عن محطة لا يجب أن تغيب عن الأذهان، فتصريح بلفور الذي اصطلح على تسميته بوعد أعطته بريطانيا، زعيمة المعسكر الاستعماري آنذاك للصهيونية حول إقامة كيان اغتصابي لليهود على أرض فلسطين العربية، هو في حقيقته ترجمة لمشروع غربي استعماري كبير على حساب أمتنا المجيدة ووطننا العربي يهدف إلى إقامة كيان غريب في قلب هذا الوطن يفصل مشرقه عن مغربه، ويحول دون وحدته وتقدمه، تحت عناوين ومبررات متعددة، تارة موقع الوطن العربي الستراتيجي بالنسبة لقارات العالم، لا سيما أوروبا وافريقيا وآسيا، أو لثرواته وسوقه الواسع تارة أخرى، وفي ثالثة للموروث الحضاري والثقافي والإمكانات التي إذا تحولت إلى قدرات تجعل الأمة العربية في موقع متقدم ومميز على الصعيد العالمي.
لقد بدأ هذا المشروع يتبلور والحركة الصهيونية مجرد شراذم منتشرة لا جامع بينها، فنابليون بونابرت قال أثناء حصاره عكا على اليهود أن يسيروا خلفي لإعادة بناء هياكل القدس القديمة، ووزير الخارجية البريطاني بالمرستون ورئيس الوزراء لاحقاً افتتح أول قنصلية بريطانية في القدس في منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر مهمتها رعاية شؤون اليهود، وعلى نهجه سار كل الساسة البريطانيين فيما بعد، على ضوء ما أثاره تقدم جيوش محمد علي باشا نحو المشرق من مخاوف، وتسير عليها السياسة الأميركية منذ أن تولت أميركا قيادة المعسكر الاستعماري أثر أفول نجمي بريطانيا وفرنسا في المنطقة مع العدوان الثلاثي على مصر.
وبالخطوات التي سبقته أو تلك التي أعقبته من سايكس –بيكو إلى استعمار فلسطين من قبل بريطانيا، كانت الحركة الصهيونية تلقى كل الدعم والإسناد لمشروعها البغيض على أرض فلسطين، وصولاً إلى تجسيده واقعاً والاعتراف به في المحافل الدولية عام 1948، ليكون أنموذجاً فريداً ومتفرداً من أشكال الاستعمار والعنصرية وأنواعه في العالم، وقاعدة متقدمة لقوى العدوان والشر في قلب الوطن العربي.
ولم يكن تعهد بلفور وبعده اتفاقية سايكس-بيكو نهاية المطاف في زرع هذا الكيان الدخيل في قلب الوطن العربي، بل حجر الأساس ومقدمة لخرائط أريد تنفيذها في هذه المنطقة من العالم على حساب وحدة شعبها وأرضها ومورثوها الحضاري، واستهدافاً لمشروعها النهضوي المتوقع ودورها الرسالي المنتظر، فكرس الاستعمار حدود التجزئة وحماها وعززها، وبدأ سياسة طويلة الأمد في تجويف مكوناتها من الداخل، وتوظيف كل السلبيات في خدمة مشاريعه المستقبلية في زرع الفتن والحروب والاضطراب للانتقال من مرحلة التجزئة إلى التفتيت على أسس أثنية وعرقية وطائفية ومذهبية، وقد تتحول إلى جهوية وقبلية إذا ما قيض لمشروعه التدميري الراهن النجاح، وقوض أسس الكيانات القائمة.
إن ما يشهده الوطن العربي حالياً ليس إلا صفحة سوداء ومظلمة من صفحات الحرب على وجود هذه الأمة مستفيدة من بعض الثغرات والأمراض الكامنة والعوامل الطارئة استفادت منها قوى الشر والعدوان في حرب إبادة على البشر والشجر والحجر لتقويض مقومات الحياة على أرضنا، وهي مرشحة لصفحات أكثر ظلاماً وسودادية إذا ما قدر للمخطط الراهن النجاح.
في ذكرى وعد بلفور لا بد من الإشارة إلى أن شعبنا العربي بحسه العفوي وانتمائه الأصيل قاوم هو وكل القوى القومية الحرة والشريفة هذا المخطط الجهنمي من فلسطين إلى العراق، ومن أبعد نقطة في مغربنا العربي الكبير إلى أقصى نقطة في خليجنا الذي يقاوم الهجمة الصهيونية التي تلتف بغطاء المذهبية والشعوبية بدعاوى باطلة وشعارات مضللة.
في ذكرى وعد بلفور ورغم سوداوية الصورة لا بد من رؤية الجانب المشرق ممثلاً بمقاومة العراق وفلسطين، وبكل القوى الطليعية والحية في كل أقطارنا العربية، ومن الظلام لا بد أن ينبلج فجر الحرية والتحرر والتحرير.