قبل عقدين من الزمن، عقد المرتمر القومي العربي دورته الأولى، ومنذ ذلك الحين تواصل عقد دوراته بانتظام، في مثل هذا الوقت من كل عام. وتوزعت دوراته على عواصم عربية، حسبما هو متاح، من المحيط إلى الخليج. وشارك في هذه الدورات شخصيات فاعلة تمثل التيارات الرئيسية، على اختلاف توجهاتها، ما دامت ملتزمة بعناصر المشروع النهضوي العربي.
وخلال مسيرته، التزم المؤتمر بموقف ثابت من القضايا المصيرية للأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، قضية العرب المركزية. ورفض بقوة سياسات الغطرسة والهيمنة والعدوان، وبشكل خاص ما تعرضت له منطقتنا في العقدين المنصرمين، بعيدا عن الفئوية والتشرنق في حبائل الانتماءات الضيفة، متخذا من مؤتمراته منابر للتعبير عن هواجس ومعاناة شعبنا العربي، في كل مكان، معتمدا الحوار والتفاعل الخلاق، بديلا عن المهاترات والصراع، واقفا بحدة ضد سياسات الاحتلال والتفتيت. وكانت غالبية نخبه حاضرة في المعارك القومية والوطنية، على امتداد الساحة العربية، معبرة على التزام صميمي بمستقبل هذه الأمة، وبحقها في الحرية والانعتاق.
كان عقد الدورة الحادية والعشرين، في الفترة 16 – 17 نيسان/ أبريل 2010 بفندق البريستول بالعاصمة اللبنانية بيروت بحضور 200 شخصة سياسية وثقافية وفكرية من مختلف أرجاء الوطن العربي والمهاجر، استمرار للنهج وللثوابت التي تمسك بها المؤتمر عبر مسيرته النضالية.
فقد عبرت الكلمات التي ألقيت في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، عن أهمية تفعيل التعاون العربي المشترك، انطلاقا من التسليم بأن "العرب لن يتمكنوا من تبوء المكانة التي يصبون إليها ما لم يحققوا وحدتهم". وفي هذا السياق، دعى رئيس الوزراء السابق، الأستاذ سليم الحص في كلمته بالجلسة الافتتاحية، إلى وحدة العرب، مشيرا إلى أن "الاتحاد يفترض ردم الهوات التي تباعد بين الشعوب العربية على المستويات التربوية والمعيشية والتنموية"، مؤكداً أن أي نقلة لشعوب المنطقة من حال إلى حال يتطلب وجود قيادات قادرة على تحقيق ذلك. في حين دعا الأستاذ عبد العزيز السيد إلى التأسيس لقرار عربي مستقل، يكون بديلا عن مقولة القرار الوطني، التي جعلت من الأقطار العربية جزرا متباعدة عن بعضها، وغيبت عمليا شعار التضامن العربي. وشدد على أهمية النظر إلى جرج أي قطر عربي على أنه جرح للأمة بأسرها. أما منسق المؤتمر القومي- الإسلامي، الأستاذ منير شفيق فأشار إلى أن الوضع العربي سيكون أفضل مما هو عليه، لو شهد تغييرا في السياسات العربية، تجاه القضايا المصيرية، نتيجة لتراجع النفوذ الأمريكي، على المستويين الدولي والإقليمي، بسبب فشل سياساته الاقتصادية والعسكرية.
إوكان البيان الختامي للمؤتمر قد ركز على أهمية الدفاع عن القدس وفلسطين، وأدان العجز العربي عن التضامن مع العراق في مواجهة الاحتلال، وطالب بالدفاع عن السودان أمام مخطط تقسيمه، وحماية اليمن من العودة إلى ماضي الانفصال والتشظي. وطالب بالتنبه لما يحدث في الجوار الأفريقي من مخططات صهيونية وأمريكية تستهدف مصر والسودان ومصالحهما الاستراتيجية في مياه النيل وغيرها.
وطالب البيان بجعل خيار المقاومة، بكافة أشكالها، مسؤولية شعبية في كافة الأقطار كقضية مركزية عربية، من خلال استنهاض طاقات الأمة من أجل الدفاع عن عروبة القدس والحيلولة دون تهويدها، ودعم صمود شعب فلسطين، ودعى الأنظمة العربية، ممثلة بجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة، إلى تحمل المسؤولية في الحفاظ على القدس ووقف مشروعات الاستيطان الصهيوني وتنفيذ المقررات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الرافضة للاحتلال والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
وتوقف البيان أمام القرار الصهيوني الأخير بطرد (70) ألف فلسطيني من الضفة الغربية ورأى فيه انتهاكاً إسرائيلياً آخر لكل المواثيق والقرارات الدولية، وازدراءاً فاضحاً بالأمة العربية، ودعا إلى اتخاذ موقف عربي وإسلامي وعالمي حازم من هذا القرار, مناشدا القوى الحية في الأمة وأحرار العالم إلى التحرّك على المستويات كافة لمواجهة هذا القرار. وطالب بضرورة فتح كل المعابر، وخاصة معبر رفح باعتباره المعبر العربي الوحيد كخطوة أولى لرفع هذا الحصار، وإعادة إعمار قطاع غزة، وتكثيف الجهود من أجل الإفراج عن كل المعتقلين في سجون العدو.
كما أكد على عروبة الجولان المحتل، وبطلان كل إجراءات الضّم والتهويد الصهيونية التي تحاول طمس الهوية العربية. وحيا صمود أهل الجولان في أرضهم ووقوفهم في وجه الاحتلال. ودعمهم المطلق لحق سورية الثابت في تحريره واستعادته.
وفي الشأن العراقي، أكد البيان الختامي على أهمية التلاقي حول مشروع وطني لتحرير العراق وإعادة بنائه، يضع المقاومة عنواناً له، ويسعى إلى الانفتاح على كافة القوى الشعبية الرافضة للاحتلال داخل العراق وخارجه. والتمسك بوحدة العراق العربي أرضاً وشعباً ومؤسسات، وناشد أبناء العراق تجنب العودة إلى أجواء الحرب الطائفية. إن الشعب العراقي مطالب أكثر من أي وقت مضى، بالدفاع عن وحدته الوطنية ورفض الطائفية والمذهبية السياسيةً. وشجب البيان عمليات القتل والإبادة التي يتعرض لها المواطنون العراقيون، وطالب بتهيئة الظروف والسبل المؤدية إلى عودة النازحين والمهاجرين العراقيين إلى وطنهم. كما رفض بشكل قاطع التدخلات الدولية والإقليمية في شؤون العراق، وبضمن ذلك الدعوات لملء فراغ الانسحاب الأمريكي عسكرياً أو سياسياً. إن الشعب العراقي وحده هو صاحب الحق الشرعي والقادر على ملء هذا الفراغ، وهو من سيعيد بناء العراق العربي الموحد القادر على استعادة مكانه في صدارة الأمة.
وفي هذا السياق، طللب البيان من الجمهورية الاسلامية الإيرانية احترام السيادة الوطنية للعراق، والتوقف عن التدخل في شؤونه بما يسيء إلى علاقة إيران مع العراق ومع كل العرب، ورفض تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة حول استعداد إيران لملء فراغ الانسحاب الأمريكي من العراق. واعتبر دعم نجاد قرارات اجتثاث البعث ومنع عودته مجدداً إلى السلطة، تدخلاً غير مبرر في الشأن الداخلي العراقي ويسيء إلى العلاقات العربية- الإيرانية ويهدد علاقات حسن الجوار، بخاصة في ظل ممارسات وتجاوزات خطيرة كاحتلال "حقل الفكة" النفطي العراقي الواقع على الحدود العراقية- الإيرانية، وتهديد أمن الخليج العربي، واستمرار احتلال الجزر الإماراتية، وتهديد مسؤولين إيرانيين بين الحين والآخر لاستقلال البحرين.
وفي مجال الإقتصاد دعا إلى التحول عن الاقتصاد الريعي، والاهتمام بالإنتاج، ودعم الاستثمار العربي المشترك في مشروعات إنتاجية صناعية وزراعية من أجل بناء قاعدة اقتصادية عربية قوية. وركز على الحفاظ على الهوية والثقافة العربية، باعتبارهما ركائز قوية للوجود العربي. إن الهوية الحضارية تبقى أولوية للمشروع النهضوي العربي، كونها خط الدفاع الأول عن الأمة أمام الغزو المكثف للمشروعات الهادفة إلى تفكيك الرابطة العربية. وطالب بتعريب التعليم في الجامعات والمعاهد العليا وتحريم استخدام اللهجات العامية على حساب اللغة الفصحى في الفضائيات العربية، وتجريم ما يقوم به الإعلان الإعلامي من اعتداء على اللغة العربية لصالح اللغات الأجنبية.
لقد شكلت النقاشات والحوارات والتوصيات التي خرج بها المجتمعون، واللغة الرصينة التي تميز بها البيان، خطوة أخرى، في تاريخ المؤتمر القومي العربي، مؤكدة عمق التزامه بالموقف الأصيل تحاه قضايا الأمة، وثباته على المباديء التي عبر عنها بيانه التأسيسي في مؤتمره الأول.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.