قاسم حسين
من مفارقات هذه المرحلة السياسية المحتقنة، أن أكثر كلمة تتداول اليوم في البحرين هي كلمة الحوار، فيما هي أكثر كلمة يكره كثيرون سماعها أو قراءتها أو حتى شمّ رائحتها من بعيد!
ما جرى خلال هذا الأسبوع من مداولات، إعلامية أو كلامية، كشف أن مجرد ذكر هذه الكلمة كافٍ لإصابة البعض بآلامٍ في البطن، وبعضهم بآلام في الظهر، وبعضهم بآلام في الجمجمة!
المراقبون للوضع البحريني، في الداخل والخارج، كانوا يؤكدون أن بين البحرينيين وبين الحوار أمداً بعيداً، وسفراً شاقاً، وجاءت ردود الفعل المتشنجة صحافياً ونيابياً وشوروياً، على مجرد الإشارة إلى حوار، لتثبت صحة تحليلاتهم السياسية.
على المستوى الصحافي، نُشرت عشرات المقالات خلال الأيام الثلاثة الماضية، وستستمر لثلاثة أيام أخرى أو أكثر، حتى تطمئن قلوب هؤلاء من عدم إجراء أي حوار حتى لو كان على مستوى حفلة شرب شاي. فيجب أن تسود بين البحرينيين لغة الكراهية والحقد والتشفي والانتقام، تكريساً لسياسة الصوت الواحد الأحد.
المعارضة كانت أكثر ذكاءً سياسياً حين تلقفت الدعوة إلى إجراء حوار، فرحّبت به وذكّرت الجميع بأنها كانت السباقة للدعوة إليه، على أن يكون منتجاً وحقيقياً وذا جدوى. وهو ما تنبّه له بعض دعاة الفرقة والشتات، فانبروا لتصحيح موقفهم الرافض لأي حوار بالدعوة إلى مشاركة جميع الأطراف، وعدم استفراد المعارضة بالحوار مع السلطة. وهو موقفٌ يعتبر تراجعاً عن مواقفهم الكلاسيكية وثورةً تصحيحيةً كبرى على مستوى المفاهيم الجيوبوليتيكية لمن أدمن الكتابة عن رفض الحوار من أي نوع. ولو جمعنا كل ما كُتب عن رفض الحوار خلال العامين الماضيين وحدهما، لخلصنا إلى مجلداتٍ يزيد حجمها على أكبر موسوعة في العالم!
الحوار يحتاج إلى بيئةٍ مؤمنةٍ به كأساس، وإلى اعترافٍ بوجود طرفٍ «آخر»، باعتباره شريكاً في الوطن، له حقوق متساوية، كما عليه واجبات، أما أن نصنّف الناس إلى فسطاطين، خونة أشرار وشرفاء أخيار، على طريقة الأفلام العربية القديمة، فذلك آخر تقليعات التفرد والاستبداد.
التشنج الذي قوبلت به الدعوة للحوار، يكشف عن ما بلغناه من تكريسٍ لثقافة إلغاء الآخر، ففي اليوم الأول شهد مجلس الشورى ثورةً ضد الحوار، فاستنكر أحد أعضائه طرح الفكرة من الأساس وكأنها مخالفة دستورية، بينما تساءلت زميلته: «الحوار مع من؟ وما هو المقصود به؟ وهل سيتم حوار أعور كما حصل في السابق»؟، في إشارةٍ للحوار الوطني الذي تم إنجازه على أكمل وجه، كما قيل لنا سابقاً.
هذا بعض ما دار في مجلس الشورى المعيّن، أما الأجواء في البرلمان المنتخب، فلم تكن مختلفةً كثيراً، فهناك عقدةٌ نفسيةٌ من ناحية صحة التمثيل الشعبي لدى الكثيرين، وهناك خشيةٌ من أن يتعرض النواب للتخطي. فسمعنا تذكيراً مكرراًً لمّا يمثله المجلس من صوتٍ للشعب، رغم ما بدا عليه من تماهٍ مع الرغبات الحكومية، في كثير من المحطات السياسية. بل وبدا بعض أعضائه أحياناً، أكثر حكوميةً من الوزراء الذين يمثّلون الحكومة. ومن هذا القبيل تصريحات بعضهم وهم يزايدون على رفض الحوار، والتشكيك بمن يفكّر فيه، حتى أصبح الحوار رجساً من عمل الشيطان.