حسن المدحوب
تعلمك الحياة عبراً ودروساً، أكثر مما تتعلمه على مقاعد الدراسة أو في مطالعة الكتب أو في الاستغراق في التنظير، ذلك أنك اما تعيش لترى هذه العبر بنفسك، أو تجد من ينقل لك تجارب الآخرين، فتجعلك كمن عاش تلك التجربة وعرف نتيجتها ومآلها من دون أن يمر بها، وفي ذلك خير كثير، يغنيك عن أن تعيش في ظروف ما عاشها غيرك وتتوقع نتائج مختلفة، ظناً أنك مختلف عن الآخرين أو أنك بشر من جينات أخرى!
تعلمك الحياة، أن الكراهية داء يزيد علل الإنسان، حتى لو استطاع أن يفرغ كامل أحقاده على الناس، وتقلد بسبب هذه الأحقاد أعلى المراتب والمناصب، إلا أن كل ذلك لا يدوم له، فكم من مسئول وصل لكرسيه عبر بث الفرقة والكراهية والكذب على الناس، غير أن الدنيا لا تديم له كرسيه، وتأتيه الضربات ممن كان يطبّل ويزمّر لهم، فسبحان الله الذي لا يديم حالاً على حال، ولا كرسياً لصاحب كرسي!
منذ العام 2011، وخطابات الكراهية تجد لها سوقاً عامرة، وتجارةً رائجة، المنتفعون منها انتشوا بمفعولها السحري على أوضاعهم، عاطلون بلا شهادات وصلوا إلى أفضل الوظائف، مفلسون باتوا يتقلّبون في النعيم، موظفون بسطاء أصبحوا فجأةً في أعلى الرتب، مغمورون باتوا يشار إليهم بالبنان، ولكن الدنيا التي جعلتهم ينتشون بقطع الأرزاق وتجويع الآلاف، هي ذاتها التي تتكفل بسلب منهم كل ما أعارته لهم، فكم من مظلوم لا ينام ليله يدعو على من ظلمه، وكم من أم أو زوجة أو ابنة أرسلت دموعها إلى الله تشكو من تسبّب في قطع رزق معيلهم، فكيف يأمن مروّجو الكراهية وصانعوها والنافخون في نارها من كل ذلك.
الكراهية لا تشتعل في قلب إنسان سوي، مهما دندن بشعارات التسامح والحب والتعايش، وقدّم تنظيرات حاول إيهام الآخرين بصدقها، ذلك لأن الكراهية متى ما استحكمت في النفس كوّنت عقداً تتجمع وتترسخ وتتراكم غلاً فوق غل، وحسداً فوق حسد، وحقداً فوق حقد.
قدرنا في البحرين، كقدرنا في الحياة، بأن نجعل التسامح طريقنا للتعايش مع الآخرين. من يظنّ أن الآخرين يجب أن يكونوا نسخةً منه، وإلا فإنهم يجب أن يصنّفوا أعداء له، يحتاج إلى أن يتبصر قليلاً، ويتعظ بمن سبقه. البحرين ليست ملكاً لفئة دون أخرى، أو لطرف دون آخر، أو لطائفة دون الثانية.
ثقافة الإقصاء، تتوازى مع خطابات الكراهية والحقد، وتتقاطع معها، لأنه متى ما أبعد الإنسان إنسانيته وآدميته، تحوّل إلى لغة الغاب التي تظلم وتنهب وتسلب حقوق الآخرين، من دون أن يستشعر حرجاً أو أثراً أو صوتاً لضمير، غير أن الله عنده ميزان الأمور.
ما أحوجنا في البحرين إلى تغليب لغة التسامح على لغة الأحقاد والكراهية. أصحاب الحق هم وحدهم القادرون على أن يتسامحوا مهما بلغت جراحاتهم، ونحن كبحرينيين جميعاً أصحاب حقوق، وقدرنا أن نؤمن أن التسامح هو الرد الأبلغ على كل عقد الكراهية والأحقاد.