الكاتب د. غازي حسين
تعتبر مدينة القدس مدينة المسجد الأقصى المبارك من أهم الأماكن المقدسة التي ارتبط بها العرب والمسلمون على مر العصور. فالقدس عندهم رمز الأرض والوطن والقومية والدين، ومدينة الإسراء والمعراج، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهد السيد المسيح، وجوهر قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني وتحتل القدس مكانة مركزية في قضية فلسطين لأهميتها الدينية والتاريخية عند العرب من مسلمين ومسيحيين، وعند المسلمين في جميع أنحاء العالم.
فالعرب هم أول من أسس المدينة حوالي 3000 ق. م، ومن اسمها العربي أوروسالم جاء اسمها الحالي جيروزاليم.
وجاء الفتح الإسلامي للقدس على يد الصحابة. وحرروها من الرومان. واستلم الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيح المدينة من بطريرك القدس الدمشقي سفرونيوس.
ووقع العهدة العمرية للبطريرك وضمنها شرطاً بناءاً على طلبه وهو ألا يسكنها اليهود.
وحافظت على طابعها العربي الإسلامي حتى إبان احتلال الفرنجة لها الذي دام حوالي مئتي سنة. واستعادها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187م. واستولى عليها العثمانيون في العام 1517م.
وأعاد سليمان القانوني بناء سور المدينة وطوله أربعة كيلومترات مربعة وارتفاعه اثنا عشر متراً وله ثمانية أبواب، ووصلت فيما بعد إلى 14 باباً.
وبنى المسلمون العديد من القباب والمآذن والأروقة والأبواب والسبل في صحن الصخرة المشرفة وبجوارها وفي ساحة الأقصى وحوله.
وبنوا في مختلف العهود الإسلامية مساجد بلغت 34 مسجداً معظمها داخل المدينة القديمة وعدداً كبيراً من الزوايا يؤمها الحجاج من مختلف البلدان الإسلامية، كالزاوية النقشبندية للحجاج القادمين من أوزباكستان، وزاوية الهنود للحجاج القادمين من الهند، والزاوية القادرية للحجاج الوافدين من أفغانستان، ولكل زاوية أوقاف ومسجد وغرف نوم.
وأنشأ المسلمون مدارس لطلب العلم بلغت 56 مدرسة. وأصبحت المدينة غنية بالأبنية والنقوش والزخارف الإسلامية والقناديل النادرة.
أما الآثار المسيحية العربية، فهي آثار السيد المسيح والحواريين والشهداء، ولا مثيل لها في أي بقعة من بقاع العالم ومنها: كنيسة القيامة، وطريق الآلام، وما شيدت فيه من كنائس.
فالمدينة القديمة مملوءة بالمساجد والكنائس والمدارس والزوايا والمقابر. وأسندت حراسة كنيسة القيامة، وهي أعظم المقدسات المسيحية في العالم إلى أسرتين مسلمتين مقدسيتين ومعهما مفاتيح الكنيسة.
إن تاريخ المدينة يثبت أنها مدينة عربية إسلامية، أسسها العرب، ودمرها الرومان ثم شيدوها. وازدهرت في العهد الإسلامي. فهي بحكم التأسيس والبناء والتاريخ مدينة عربية إسلامية. وتاريخها لا ينفصل عن تاريخ فلسطين وعروبتها والأطماع الاستعمارية واليهودية في أهميتها الدينية والإستراتيجية والسياسية والتجارية منذ القدم.
حكم المسلمون القدس ثلاثة عشر قرناً. وكانت اللغة العربية، لغة القرآن الكريم هي السائدة حتى إبان الحكم العثماني. فالحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي فيها.
كان سكان المدينة عرباً لساناً وحضارة. وكان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال اليهود للشطر الغربي من المدينة في عام 1948 عرباً منهم: حسين الحسيني، موسى كاظم الحسيني، راغب النشاشيبي، مصطفى الخالدي وحسين فخري الخالدي.
وظلت القدس عربية الغربية منها والشرقية، أي القدس القديمة والجديدة بعدد سكانها وملكيتها ورئاسة البلدية فيها وما يحيط بها من قرى إلى أن جاء قرار التقسيم رقم /181/ وحرب عام 1948 التي أشعلتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة.
الأطماع اليهودية في القدس
طالب الاستعمار والصهيونية بتأسيس دولة لليهود في فلسطين انطلاقاً من مصالحهما الاستعمارية ومن المزاعم والأكاذيب التي رسخها كتبة التوراة والتلمود، كأسطورة أرض الميعاد وأكذوبة الحق التاريخي المزعوم لليهود بالقدس وفلسطين ومعزوفة اللاسامية والهولوكوست.
وانطلقت الصهيونية لدعم مزاعمها الاستعمارية من وعود يهوه لشعبه المختار، وهو زعم أو ادعاء ديني، والدين ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي، فلا يجوز الاستناد إليه في المطالبة بمصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية وترحيل الشعب الفلسطيني وإقامة دولة يهودية عنصرية على أنقاض فلسطين العربية.
إن جميع الأسباب التي يوردها الصهاينة حول أرض الآباء والأجداد التي يتحدث عنها نتيناهو لا تشكل حقاً من الحقوق إذا انطلقنا من القانون الدولي الذي كان سائداً في الماضي أو في الحاضر فالوعود اليهودية والبريطانية والاضطهاد الذي لقيَه اليهود في أوروبا، لا يمكن أن تشكل حقاً من الحقوق؛ كانت فلسطين منذ فجر التاريخ وقبل وصول العبرانيين إليها كنعانية، أي عربية. واعتنق سكانها الديانة المسيحية إبان الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية ولم يغيّر ذلك من طابعها العربي.
واحتفظت بطابعها العربي الإسلامي بعد الانتصارات العربية في القرن السابع. فاليهود انطلاقاً من روايتهم لم يكونوا أول من سكن فلسطين، وإنما هم دخلاء عليها غرباء عنها، وانتهى كيانهم السياسي فيها منذ أن احتلها الرومان.
كيف يمكننا أن نتصور عالم اليوم لو أعدنا عقارب الساعة (3000) سنة إلى الوراء؟ منذ ذلك الوقت لم يبق لليهود صلة بفلسطين وسقط حتى التذرع بالحق المزعوم لهم فيها. ويتذرع الصهاينة والاستعماريون في المطالبة باستعادة القدس وبناء الهيكل المزعوم في صلواتهم، ولكن هذا العنصر عنصر ديني وليس سياسياً، وبالتالي لا قيمة قانونية له على الإطلاق لذلك أكد المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند الأستاذ في جامعة تل أبيب في 8/12/2009 «أن» إسرائيل، قامت على أسس ومبررات وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة، وإن ولدت بفعل اغتصاب أرض الفلسطينيين المواطنين الأصليين سنة 1948.
إن استغلال الصهيونية العالمية الخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية التي رسخها كتبة التوراة والتلمود لتبرير الاستيلاء على القدس وفلسطين ليس إلاَّ استعماراً استيطانياً مغلفاً بقناع ديني صهيوني، وليس للادعاء الكاذب بملكية اليهود لحائط المبكى ولقدسيته المزعومة في نظري أي قيمة.
لقد حوّل القادة الصهاينة والحاخامات الدين اليهودي إلى سلاح لسلب الفلسطينيين، سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين حقوقهم في وطنهم فلسطين. وسخروا الدين في خدمة الاستعمار الاستيطاني اليهودي وخدمة الأطماع الاستعمارية السياسية والاقتصادية لدولة اليهود والإمبريالية الأمريكية، لفرض هيمنة الصهيونية العالمية على البلدان العربية والإسلامية وعلى بقية بلدان العالم.
صنع الحاخامات والقادة الصهاينة أهمية بالغة لمدينة القدس ورسخوها في نفوسهم ونفوس مؤيديهم بسبب مكانتها الدينية والسياسية لدى العرب من مسلمين ومسيحيين ولدى المسلمين في جميع أنحاء العالم، لتحقيق الأطماع الصهيونية ولإذلال العرب والمسلمين وإخضاعهم والسيطرة عليهم.
خططت الصهيونية منذ تأسيسها لتهويد الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس حيث كتب هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية قبل تأسيس الكيان الصهيوني بخمسين عاماً قائلاً:
«إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون».
وجاء في دائرة المعارف اليهودية تحت كلمة الصهيونية «أن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يذهبوا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا مملكتهم هناك».
ويزعم قادة الصهيونية والحاخامات ورؤساء الأحزاب الصهيونية «أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في جبل الهيكل إنما هو لليهود».
لقد أعلن بن غوريون بعد تأسيس الكيان الصهيوني «أن لا معنى لإسرائيل دون القدس ولا معنى للقدس دون الهيكل».
ووصلت الأطماع الوحشية اليهودية حداً طالب فيه بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني في كلمة ألقاها في العشرين من حزيران عام 1967 بهدم سور القدس التاريخي للأسباب التالية:
أولاً: لأننا نريد قدساً واحدة لا اثنتين يهودية وعربية.
ثانياً: يجب هدم السور فهو غير يهودي، إذ بناه سلطان تركي.
ثالثاً: سيكون لهدم السور قيمة سياسية عالمية إذ عندها سيعرف العالم أن هناك قدساً واحدة يمكن أن تعيش فيها أقلية عربية.
حاول اليهود في آب 1929 إبان الانتداب البريطاني الاستيلاء على حائط البراق، أي الحائط الغربي لحرم المسجد الأقصى، وهو ما يسمونه بحائط المبكى فتصدى لهم العرب واندلعت ثورة البراق.
نص قرار التقسيم رقم /181/ والذي بموجبه أقيم الكيان الصهيوني على الوضع القانوني لمدينة القدس ككيان منفصل تحت نظام دولي خاص تشرف عليه الأمم المتحدة وبالتحديد مجلس الوصاية الدولي، وحماية جميع الأماكن المقدسة وعدم المساس بالحقوق المكتسبة فيها ولكن الأمم المتحدة فشلت في حماية القدس ومواطنيها والأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة فيها بسبب الأطماع اليهودية والانحياز الأمريكي والأوروبي للكيان الصهيوني ومعاداتهم للعروبة والإسلام.
ملكية حائط المبكى المزعوم
حاول اليهود في آب 1929 الاستيلاء على حائط البراق، أي الحائط الغربي لساحة المسجد الأقصى بحجة أنه جزء من هيكل سليمان المزعوم وبدعم من حكومة الانتداب البريطاني.
تصدى الفلسطينيون لمحاولتهم واندلعت ثورة البراق. وعرضت حكومة الانتداب القضية على عصبة الأمم.
وجاء في قرارها الصادر في كانون أول 1930 ما يلي:
أولاً: للمسلمين حق الملكية وحدهم، دون منازع في امتلاك الحائط الغربي (البراق) كجزء لا يتجزأ من منطقة الحرم الشريف.
ثانياً: تعود ملكية الساحة أمام الحائط الغربي للمسلمين أيضاً وكذلك حي المغاربة المجاور والمقابل، الذي يعتبر وقفاً ثابتاً وفق الشريعة الإسلامية.
وهكذا جاء قرار لجنة التحقيق الدولية ليؤكد بجلاء أن ما يسميه اليهود بحائط المبكى هو وقف إسلامي لا علاقة له بهيكل سليمان المزعوم ولا يمت لليهود بصلة.
وسمح المسلمون لليهود بدافع من تسامح الدين الإسلامي بالبكاء وقوفاً أمام حائط البراق منذ عام 1930.
احتلال اليهود للقدس الغربية
كانت مجزرة دير ياسين، في التاسع من نيسان 1948 والتي أباد فيها اليهود جميع سكان القرية عن بكرة أبيهم المدخل لاحتلال القدس الغربية، حيث تمكنت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة بعد جلاء القوات البريطانية مباشرة عن المدينة في 15 أيار 1948 من احتلالها. وشردت أكثر من (60) ألفاً، أي جميع سكان القدس الغربية العرب واستولت على أراضيهم وعقاراتهم وعلى العديد من المساجد والكنائس وجميع أراضي وأملاك الوقف الإسلامي.
فالوجود الإسرائيلي في القدس الغربية قام على استخدام القوة والاحتلال والضم والتهويد خلافاً لمبادئ القانون الدولي وشردت القوات الصهيونية أهالي قرى بيت صفافا والمالحة وشرفات وعين كارم وبتير.
وأقامت مستشفى هداسا (الجديد) والنصب التذكاري لضحايا النازية (يادفاشيم) فوق أراضي قرية عين كارم التي احتلتها وضمتها إلى القدس الغربية المحتلة، تماماً كما تفعل اليوم في القرى المحيطة بالقدس الشرقية.
وكانت نسبة أملاك اليهود في محافظة القدس عام 1948 حوالي 2% بينما بلغت الأملاك العربية 84% وأملاك الدولة 14% وبالتالي تعود ملكية الأراضي التي بنيت عليها القدس الغربية للعرب.
حاولت الأمم المتحدة أن تضع القدس بأسرها تحت الوصاية الدولية. وأيدها بذلك الفاتيكان والدول الكاثوليكية والكنائس العالمية والدول العربية باستثناء الأردن. واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/12/1949 القرار رقم 303/4 أكدت فيه على عزمها وضع منطقة القدس تحت نظام دولي خاص يضمن حماية الأماكن المقدسة. وعهدت إلى مجلس الوصاية بتحقيق ذلك.
ولكن «إسرائيل» أعلنت على الفور في 11/12/1949 نقل عاصمتها من تل أبيب إلى القدس الغربية المحتلة ورفضت التدويل. وعقدت الكنيست أول اجتماعاتها في 13/12/1949 في المدينة الفلسطينية المحتلة.
ونقل رئيس وزراء العدو وعدد من وزرائه مكاتبهم في 14/12/1949 إلى القدس المحتلة وانعقدت الكنيست فيها في 26/12/1949 وأعلنت: «أن القدس عاصمة «إسرائيل» منذ إنشاء دولة «إسرائيل» في 14 أيار 1948».
وقاد الاحتلال الإسرائيلي للشطر الغربي من المدينة العربية الإسلامية، وانقسام العرب حول التدويل بين القبول والرفض، وسكوت الأمم المتحدة على تحدي دولة الاحتلال للقرارات الدولية إلى تشجيعها في توطيد أقدامها فيها وفرض سياسة الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة كمقدمة لتهويدها بالكامل ونزع طابعها الحضاري العربي الإسلامي.
ضم الملك عبد الله في كانون الأول 1949 الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى مملكته. وأجرى انتخابات برلمانية في الضفتين. وصدر في 24 نيسان 1950 القرار الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية. واعترفت بريطانيا بتاريخ 27 نيسان 1950 بالضم.
استنكرت معظم الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني نقل وزارة الخارجية من تل أبيب إلى القدس الغربية المحتلة. واحتج مجلس الوصاية الدولي على الإجراءات التي اتخذتها «إسرائيل» في المدينة العربية المحتلة. وأخذ الكيان الصهيوني يعزز مركزه غير القانوني في القدس المحتلة من خلال عقد جلسات للجان الكنيست ونقل الوزارات والدوائر الحكومية وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبية والتركيز على عقد المؤتمرات الدولية ومنح الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين الأجانب في المدينة العربية المحتلة.
وبدأت في عام 1961 ببناء مقر الكنيست في المدينة المحتلة بأموال تبرع بها الملياردير اليهودي جيمس دي روتشيلد. وانتهى بناء الكنيست في عام 1966.
واعتبرت الدول العربية أن بناء المقر الجديد للكنيست جزء من المخطط «الإسرائيلي» لجعل القدس الغربية المحتلة عاصمة فعلية للكيان الصهيوني، مما يؤدي إلى تثبيت الوجود اليهودي العدواني والتوسعي في مدينة الإسراء والمعراج، وإعلاناً عملياً صريحاً برفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وجريمة عظمى بحق المسلمين والمسيحيين العرب وجميع المسلمين في العالم.
وأكدت الدول العربية أن افتتاح مبنى الكنيست الجديد في القدس العربية المحتلة إساءة للعرب، وأن حضور ممثلي البرلمانات والدبلوماسيين تشجيع لـ «إسرائيل» على الاستمرار في تحدي قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس وفلسطين.
وأعلنت الأردن في عام 959 أن القدس الشَّرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية وتبلور الوضع في المدينة العربية الإسلامية على الشكل التالي:
القدس الغريبة المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني والقدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية.
احتلال وتهويد القدس الشرقية
أشعلت «إسرائيل» في الخامس من حزيران 1967 حرب حزيران العدوانية. واحتلت في السابع منه مدينة القدس الشرقية (العاصمة الثانية للمملكة الأردنية). وأصدرت الحكومة الإسرائيلية في 11/6/1967 قراراً ضمت فيه الضفة الغريبة بما فيها القدس للأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1948. وأصدرت الكنيست والحكومة الإسرائيلية ووزير الداخلية في 27 و28 حزيران 1967 عدة قرارات جعلت القدس الشّرقية المحتلة جزءاً لا يتجزأ من القدس الغربية المحتلة.
بدأ العدو الإسرائيلي بتغيير معالم القدس الشرقية منذ الساعات الأولى للاحتلال، لتهويدها وخلق حقائق جديدة لتبرير عدم الانسحاب من المدينة العربية الإسلامية المحتلة، وذلك بتدمير الأحياء العربية، وبناء الأحياء وسلسلة من المستعمرات اليهودية التي تحيط بالقدس من جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب إلى أقلية.
ضمت دولة الاحتلال صور باهر والشيخ جراح ومطار قلنديا وجبل سكوبس ومنطقة شعفاط إلى القدس الغربية المحتلة خلافاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وأخذت تعمل على تغيير معالم المدينة العربية الإسلامية وتهويدها تحت شعار كاذب ومخادع ومضلل وهو إعادة توحيد المدينة كذريعة لتحقيق توسع الاستعمار الاستيطاني اليهودي.
وعقد عدد من حاخامات اليهود في العالم مؤتمراً في القدس طالبوا فيه ببناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ورد عليهم وزير الأديان الصهيوني فارهافتج وقال إن الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل؛ ولكن لم يحن الأوان بعد وعندما يحين الموعد لابد من حدوث هزة أرضية طبيعية أم صناعية تهدم المسجد الأقصى ونبني هيكل سليمان على أنقاضه.
قيل حرب عام 1967 لم يكن اليهود يملكون متراً واحداً في القدس الشرقية، أما اليوم فأصبحوا يملكون بقوة الاحتلال والقوانين الاستعمارية والعنصرية 87% من مساحة المدينة المحتلة.
ويعاني المقدسيون من مشكلة الهوية بسبب فك الارتباط الأردني عام 1988 واتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 فهو لا فلسطيني ولا أردني ولا إسرائيلي. وتسحب دولة الاحتلال باستمرار بطاقات الإقامة من المقدسيين. وبلغ عدد «العائلات» المقدسية التي سحبت منها الإقامة في عام 2008: 4577 عائلة، كمقدمة لترحيلهم من القدس لأنهم يخشون أن تصبح القدس عربية حيث سيصل عدد السكان العرب في عام 2040 حوالي 55% من مجموع سكان المدينة.
وتؤكد مؤسسة المقدسي لتنمية وتطوير المجتمع أن عدد البيوت التي تم هدمها في القدس الشرقية بين أعوام 1967 و 2008 نحو 24145 منزلاً.
إن ما يجري في القدس هو عملية تطهير عرقي بدأت عام 1948 باحتلال الشطر الغربي من المدينة وتصاعدت بعد احتلال الشطر الشرقي عام 1967 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
بالأمس كان تهجير المقدسيين من القدس المحتلة عام 1948 ويجري اليوم تهجيرهم من باب العمود الشيخ جراح والعيزرية وباب العمود وتسليم منازلهم للمستعمرين اليهود.
بالأمس جرى تهويد أكثر من ثلثي المسجد الإبراهيمي في الخليل وقبر بلال بن رباح في بيت لحم وتحويله إلى قبر راحيل واليوم جاء دور المسجد الأقصى المبارك لتهويده باقتسامه بين المسلمين واليهود كما جرى في المسجد الإبراهيمي لإقامة دولة يهودية عنصرية خالصة وعاصمتها القدس بشطريها المحتلين:
لقد بدأت قوات الاحتلال منذ اليوم الأول لاحتلال القدس الشرقيّة باتخاذ العديد من الإجراءات لتهويد المدينة المقدسة ومنها:
* حل مجلس أمانة القدس المنتخب ومصادرة أملاكه المنقولة وغير المنقولة، وإبعاد روحي الخطيب أمين العاصمة إلى عمان، وإحلال موظفين يهوداً بدلاً من الموظفين العرب.
* إلغاء الدوائر والمؤسسات والمحاكم العربية وإلحاق بعضها بالدوائر الإسرائيلية.
* حل المحكمة الشرعية الإسلامية بالقدس وإلحاق مواطني القدس بالمحكمة الشرعية الإسلامية في يافا.
* إلغاء القوانين الأردنية واستبدالها بالقوانين الإسرائيلية.
* إلغاء المناهج الدراسية في المدارس العربية وفرض المناهج الإسرائيلية في جميع المراحل.
* إغلاق المصارف العربية ومصادرة أموالها ودمج اقتصاد القدس العربية بالاقتصاد الإسرائيلي.
*إصدار بطاقات شخصية لمواطني القدس من وزارة الداخلية الإسرائيلية.
وامتدت الأطماع اليهودية إلى القرى والأراضي العربية المحيطة بمدينة القدس. فأعلنت دولة الاحتلال عن مشروع القدس الكبرى، وهو عبارة عن توسيع القدس المحتلة لتصل إلى مدينة رام الله شمالاً وإلى بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور جنوباً وإلى قرى أبو ديس والعيزرية وعناتا شرقاً. وبذلك استولت سلطات الاحتلال على حوالي ثلث مساحة الضفة الغربية وضمتها للقدس.
ويهدف مشروع القدس الكبرى إلى توسيع القدس عن طريق ضم المستعمرات اليهودية، الكبيرة حول القدس المحتلة، والاستمرار في تفريغ المدينة من سكانها العرب، وبناء (50) ألف وحدة سكنية جديدة، والمحافظة على بقاء جدار الفصل العنصري لعزل الأحياء العربية وتقليل أعداد المقدسيين.
وتهدف دولة الاحتلال من هذه الإجراءات النازية الوحشية والهمجية والمخالفة للقانون الدولي إلى جعل عدد العرب في المدينة العربية لا يزيد عن 20% من عدد سكانها، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.
ويترافق ذلك مع الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى المبارك حتى بلدة سلوان وبعملية تزوير كبيرة لتغيير الحقائق على الأرض وتزييفها وطمس المعالم العربية الإسلامية.
وفي صباح 21 آب شبَّ حريق هائل بالمسجد الأقصى المبارك. وامتدت النيران بسرعة إلى محراب صلاح الدين الأيوبي وأعمدة القبة في المسجد.
هرع عرب القدس من مسيحيين ومسلمين لإطفاء الحريق، كما هرعوا من قرى ومدن الضفة الغربية للمشاركة في إطفائه وإنقاذ المسجد المبارك من التدمير. وكانت النساء تولول وتلوح بالمناديل باكيات ناحبات، كما بكى الأطفال والشباب والشيوخ. وكان رجال الدين المسيحي وعلى رأسهم بطريرك الروم الأرثوذكس يحملون الماء ويبكون ويرددون بأعلى أصواتهم: بيت مقدس من بيوت الله يحرقه اليهود.
وعندما وصل وزير الحرب موشي ديان استقبله الفلسطينيون بالهتافات ضد إسرائيل ورددوا عبارات: «الله أكبر، القدس عربية»، لا هيكل مكان الأقصى. ونجحوا في إخماد الحريق بعد احتراق الجزء الهام من المسجد الأقصى بما فيه محراب صلاح الدين الذي أحضره من الجامع الأموي في حلب.
وساد الحزن والغضب مشاعر جميع العرب والمسلمين لفظاعة الجريمة ووحشيتها.
القدس وأوسلو وقرار الكونغرس الأمريكي
أجلَّ اتفاق الإذعان في أوسلو الذي وقعه ياسر عرفات أولاً ثم محمود عباس ثانياً في 13 أيلول 1993 في البيت الأبيض قضايا: القدس، اللاجئين، المستعمرات، الحدود والترتيبات الأمنية إلى مفاوضات الوضع النهائي، مما أعطى دولة الاحتلال المزيد من الوقت لتهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وتغيير طابع المدينة الحضاري العربي الإسلامي.
فاستمرت في مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات وشق الطرق والأنفاق، وترحيل المقدسيين وهدم منازلهم. وهكذا خلقت وتخلق وقائع جديدة منذ توقيع أوسلو وحتى اليوم لتعزيز تهويد المدينة وإضعاف الموقف الفلسطيني في المفاوضات حول الحل النهائي.
وشجع توقيع القيادة الفلسطينية في منظمة التحرير لاتفاق الإذعان في أوسلو وتوقيع أوسلو2، في البيت الأبيض على صدور قرار الكونغرس لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والذي صدر في عام 1995 ويتضمن:
أولاً: تبقى القدس موحدة غير مجزأة.
ثانياً: الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. ثالثاً: الالتزام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
يشكِّل قرار الكونغرس تدخلاً وقحاً في الشؤون الدينية للعرب من مسلمين ومسيحيين والمسلمين في جميع أنحاء العالم، ويخالف تعهدات الإدارات الأمريكية في كامب ديفيد ومدريد.
ويعبَّر عن همجية أمريكية لإرضاء اللوبي اليهودي ولكسب أصوات وأموال اليهود في قضية تمس أقدس وأعدل قضية عربية إسلامية.
وشجع القرار «إسرائيل» المعتدية والمحتلة على الاستمرار في تعنتها وتصلبها واغتصابها للأرض والحقوق وتصعيد الاستيطان والتوجه لتهويد المسجد الأقصى.
إن القانون الأمريكي حول القدس الذي وقعه الرئيس بوش في 30 أيلول 2002 يشكل انتهاكاً صارخاً لقرارات الشرعية الدولية، وانحيازاً للمحتل الإسرائيلي يمس مشاعر العرب والمسلمين الذين يعتبرون القدس من أقدس المدن للإسلام والمسيحية.
ويُظهر القانون أيضاً الاستهتار والاحتقار والتحدي للحكومات والشعوب العربية والإسلامية.
المسجد الأقصى المبارك في خطر حقيقي
إن مدينة القدس والأقصى المبارك في خطر حقيقي بسبب تخاذل النظام الرسمي العربي. وجاء اليوم العالمي للتضامن مع القدس الذي حدده الإمام الراحل الخميني قدس الله سره في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك ليشكل البداية للتحرك الشعبي والرسمي لإنقاذ القدس من اليهودية العالمية والإمبريالية. فالثورة الإسلامية في إيران أحيت قضية القدس.
وتُظهر هذه المحطة تمسك مئات الملايين من العرب والمسلمين بمدينة القدس كمدينة عربية إسلامية. فيوم القدس العالمي يوم لتجديد المسلمين في مشرق الأرض ومغربها لتحرير القدس وفلسطين من براثن الاستعمار الاستيطاني اليهودي وتفكيك الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري أسوة بنظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا.
إن تصاعد الهجمة العنصرية والإرهابية والاستيطان على الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة وعلى مقدساتهم ومنازلهم وأرضهم لا يجوز السكوت عنهما لأنهما اعتداء على التاريخ والجغرافيا، اعتداء على الديانتين الإسلامية والمسيحية واعتداء على عروبة القدس.
لقد رهن المفاوض الفلسطيني موقفه بموقف الرباعية الدولية والإدارات الأمريكية وبشكل خاص إدارة أوباما لوقف الاستيطان.
أثبتت المراهنة على الدور الأمريكي والرعاية الأمريكية فشلها الذريع بسبب التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي والانحياز الأمريكي المطلق له ومعاداته للحقوق الفلسطينية والعروبة والإسلام.
وفشلت سياسة الاعتماد على ضغوط الإدارة الأمريكية على تل أبيب، على الرغم من أن أوباما قد تبنى في خطابه أمام جامعة القاهرة تجميد الاستيطان في القدس وبقية الضفة الغربية.
التقت وزيرة الخارجية كلنتون في زيارتها الأخيرة للمنطقة بنتنياهو وخرجت من اللقاء متبنية الموقف الإسرائيلي.
والتقت محمود عباس وأبلغته: نتنياهو مستعد للتفاوض ولكنه لن يوقف الاستيطان في القدس ونريد منكم العودة إلى المفاوضات دون شروط.
وبالتالي تبنت كلنتون موقف العدو الصهيوني ودعت السلطة إلى المفاوضات دون ضمانات ودون مرجعية.
وشرحت وجهة نظرها للرئيس مبارك، فنادى النظام المصري إلى تفاوض دون شروط.
وهكذا نسف الموقف الأمريكي الجديد الأسس التي قام عليها مؤتمر مدريد ووضعها بوش الأب، وساهمت الإدارة الأمريكية في الوصول إلى الطريق المسدود واستمرار تهويد القدس بشطريها المحتلين.
وهنا أتساءل؟ ماذا فعلت قيادة منظمة التحرير والملوك والرؤساء العرب لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى من الخطر الحقيقي الداهم قبل تدميره وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه؟
المطلوب من الحكومات والشعوب العربية والإسلامية أن تتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن المسجد الأقصى وعن القدس في وجه آلة التدمير والقتل والتهويد الصهيونية.
إن الصراع على القدس صراع وطني وقومي وديني وقانوني وإنساني، ولا تملك قيادة منظمة التحرير أو مؤتمرات القمة العربية حق التنازل عنها أو عن ذرة من تراثها المقدس أو التفريط بعروبتها.
واعتبر مجلس الأمن في القرار الذي اتخذه في 15/5/1980 أن عمل (إسرائيل) في القدس خرق للقانون الدولي. وشجبت الجمعية العام للأمم المتحدة في القرار الذي اتخذته في 15/12/1994 قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، وأكدت فيه أن الإجراءات الإسرائيلية لتغيير وضع القدس باطلة وغير قانونية.
وأقرت الجمعية العامة في الرابع من كانون الأول عام 1995 أن كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والتصرفات الصادرة عن «إسرائيل» والمؤدية إلى طمس أو تغيير هوية ونظام مدينة القدس وبصفة خاصة لتلك المسماة بالقانون الأساسي للقدس أو إعلان القدس عاصمة «لإسرائيل» هي إجراءات باطلة خالية من أي قيمة.
وتتضمن قرارات الشرعية الدولية حول القدس المحتلة ما يلي:
* وجوب الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
* إدانة إجراءات «إسرائيل» في القدس والتأكيد على وجوب إلغاء جميع الإجراءات الإدارية والقانونية التي اتخذتها وأثرت على الوضع التاريخي للمدينة بما في ذلك مصادرة الأراضي والعقارات وترحيل المواطنين.
* إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذت لتغيير الوضع الجغرافي والديمغرافي والقانوني للقدس.
* تفكيك جميع المستعمرات اليهودية في القدس وبقية الضفة الغربية.
* السماح للنازحين الفلسطينيين الذين نزحوا عام 1967 بالعودة إلى القدس وبقية الضفة الغربية.
على الرغم من قرارات الأمم المتحدة استمرت دولة الاحتلال بالسيطرة على الأراضي المحتلة ومصادرتها وتهويدها وإضعاف الوجود العربي في القدس، وتفريغها من سكانها وتصعيد وتيرة الاستعمار الاستيطاني. وبالتالي استمرت بعملية التطهير العرقي، لحسم الوضع الديمغرافي للمدينة. وقضت على أي دور للأمم المتحدة في المدينة المقدسة، واستفردت بالقيادة والسلطة الفلسطينية لتهويد القدس بشطريها المحتلين.
ولم يكترث العدو الصهيوني بالرفض العربي والإسلامي والعالمي لتهويد القدس، وتابعت سياسة فرض الأمر الواقع والتهويد واقتسام السيادة على المسجد الأقصى كما فعلت بالمسجد الإبراهيمي، وذلك لفرض هيمنتها المطلقة على المدينة المحتلة في مفاوضات الوضع النهائي على المفاوض الفلسطيني الهزيل في المفاوضات العبثية بالرعاية الأمريكية.
ولا يزال الاحتلال يعمل على إفراغ القدس المحتلة من مواطنيها الفلسطينيين وتهجيرهم وإسكان قطعان المستعمرين اليهود بدلاً منهم، وعبر سحب بطاقات إقامتهم والتضييق عليهم، والاستيلاء على منازلهم وتدمير الآلاف منها.
وجاء جدار الفصل العنصري في القدس والذي عزل (125) ألفاً، وبناء الأحياء والمستعمرات اليهودية، والبدء ببناء كنيس في ساحة المسجد الأقصى ويبعد حوالي 70 متراً عن قبة المسجد ليزيد من مخاطر تدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.
الوضع الراهن للمدينة المحتلة
كانت مساحة القدس القديمة والجديدة عام 1948 حوالي 20 ألف دونم. ولكن بدأت دولة الاحتلال الصهيوني بعد احتلال الشطر الشرقي عام 1967 بعملية استعمار استيطاني كبيرة لتوسيع حدود المدينة المحتلة. فبلغت عام 1993 حوالي 126 ألف دونم، وهي أراض صادرتها من 28 قرية عربية محيطة بالقدس وأقيمت عليها أكبر المستعمرات اليهودية:
كان العرب يطالبون قبل حرب حزيران العدوانية بعودة القدس المحتلة (الغربية) للسيادة العربية، وبعد الحرب العدوانية أخذوا يطالبون فقط بعودة القدس الشرقية المحتلة.
وهنا أطرح السؤال التالي: أي قدس تريد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والقادة العرب؟ تستخدم قيادة المنظمة عبارة القدس الشريف عاصمة للدويلة الفلسطينية المنقوصة السيادة والأرض والحدود والسكان والمياه. وتوافق على بقاء القدس بشطريها المحتلين مدينة موحدة.
وتعني عبارة القدس الشريف الأماكن الإسلامية المقدسة ومساحتها 1 كم2.
أما القدس الشرقية المحتلة اليوم فمساحتها 72 كم2. وستصبح مساحة القدس الكبرى التي تعمل دولة الاحتلال على توسيعها 122 كم2.
إن الصراع حول القدس صراع وطني وقومي، وصراع بين عقيدتين إسلامية متسامحة ومنفتحة ويهودية عنصرية منغلقة واستعمارية وإجلائية تزعم أن يهوه وعد اليهود بها أي ذريعة واهية ولكنها في منتهى الخطورة، لأنها ترفع احتلال واستعمار وتهويد القدس وترحيل المقدسيين، سكانها الأصليين وأصحابها الشرعيين إلى مستوى القدسية الدينية.
ويؤكد الإسلام أن القدس ركن أساسي من العقيدة كالصلاة وغيرها من أركان الإسلام. لذلك يؤمن العرب والمسلمون أن القدس مدينة عربية ـ إسلامية.
فالصراع على القدس صراع على الأرض والسكان والحضارة العربية الإسلامية وعلى مفاهيم الحق والعدالة والإنصاف والتحرر من الاستعمار الاستيطاني اليهودي.
كان اليهود لا يملكون متراً واحداً في القدس الشرقية قبل حرب عام 1967، أما اليوم فأصبحوا يملكون 87% من مساحة المدينة بقوة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني.
ووضعت دولة الاحتلال مخطط مشروع القدس الكبرى، بحيث يضم المستعمرات الكبيرة ومنها مستعمرة معاليه أدوميم شرق القدس، ومستعمرة جلعات زئيف من الغرب، ومجمع مستعمرات بنيامين من الشمال، ومجمع مستعمرة جيلو وغوش عتصيون من الجنوب، وكذلك مستعمرة جبل أبو غنيم هارحوما.
ويشطر هذا المشروع الاستعماري الضفة الغربية إلى شطرين، ويقضي على التواصل الجغرافي فيها. ويحتوي على معظم مصادر المياه في الضفة الغربية، ويحول دون إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967.
ولا يزال دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي يعملون على ابتكار تسميات لتلطيف استعمارهم الوحشي مثل: ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، وتبادل الأراضي وتعديلات حدودية طفيفة إلى أن طلع علينا الفاشي نتنياهو وأعلن أن الضفة الغربية هي أرض الآباء والأجداد وليست محتلة.
وجاء جدار الفصل العنصري، واستمرار الاستيطان في سلوان والشيخ جراح وباب العمود والعيزرية وغيرها، وهدم المنازل والأحياء العربية لتغيير الطابع العربي الإسلامي للمدينة، واستيلاء أغلبية يهودية حتى عام 2040 لجعل المدينة العربية الإسلامية بشطريها المحتلين، وعشرات القرى العربية التي ضمت إليها عاصمة الكيان الصهيوني المزعوم وعاصمة اليهودية العالمية.
لذلك كان رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن د. حيدر عبد الشافي على حق عندما استخلص من المفاوضات المباشرة التي أجراها مع الصهاينة عام 1991 أنه:
«دون وقف الاستيطان،