عبدالنبي العكري
«والله فشلتونا يا حكومة»، عبارة عفوية للنائب شمطوط، أضحت متداولةً لما يحدث من غرائب وعجائب في هذا البلد.
الآن وقد دقّت ساعة الحقيقة بتدشين الحوار الوطني أو بالأحرى «التفاوض»، بين المعارضة الوطنية وتحالف الحكومة ومؤيديها ومناصريها، فقد وجد التحالف الثلاثي نفسه في حيص بيص. فبعد سنتين من أبشع فصل في تاريخ البحرين من القتل والتعذيب والتجويع والحصار ضد أبناء الشعب، وبعد أبشع حملة كراهية وتحريض وتخوين وافتراء ضد أبناء وطنهم، وبعد عامين من المكابرة، بأن كل شيء على ما يرام، وأن المؤامرة الموهومة قد تكسرت على صخرة أهل الغامق، اتجهت الحكومة للموافقة على الحوار، مجدداً، وهم الذين أكدوا وأصروا وجزموا بأن الحوار قد انتهى، وأن مخرجاته قد نُفّذت، وأن لا حوار مع الخونة والمرتزقة والمتآمرين!
هنا كانت (الفشيلة)، لكنهم وقد ذاقوا طعم المغانم والمناصب والأراضي والسفرات و «التبروز»، لا يمكن أن يسلّموا بفشيلتهم، فماذا سيعملون؟ يكابرون ويعيشون في عالم افتراضي وغيبوبة لا يريدون الإفاقة منها.
الإصرار على أن البلد بخير، فالفنادق ممتلئة، والأسواق مزدحمة، والبورصة مرتفعة، والعقارات في السماء، والأمن مستتب، والدولة في أقصى قوتها، والتحالف الخليجي متين، والتحالف الدولي موثوق، ونحن قبلة بلاد العالم في الديمقراطية والتسامح والبحبوحة، ومحسودون من كل بلدان العالم حتى اسكندنافيا.
لكن الواقع والوقائع غير ذلك، فالشعب مستمر في مطالباته الديمقراطية رغم انه مثخنٌ بالجراح. يخرج بعشرات الآلاف ويتلقى الرصاص والغازات السامة، من الطفل الرضيع حتى الطاعن في السن، رجالاً ونساءً، شباباً وصبايا، يخرجون بفرحٍ متحابين يتقاسمون كسرة الخبز، يرفعون علماً واحداً هو علم الوطن، ويرددون الشعارات ذاتها في الساحات والزنازن «اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه»، و «لن نغادر الساحات، لن نرجع إلى البيوت حتى تحقيق المطالب».
العالم حتى الاخوة الأقربون افتروا على هذا الشعب، وانتحلوا الأعذار لينحازوا ضد مطالباته المحقة، وبعضهم لينال فتات النفط، لكن الشعب صمد واستمر، فإنكم تألمون كما يألمون، وشيئاً فشيئاً بدأ العالم يصحو من غيبوبته بفضل أصحاب الضمير من صحافيين وحقوقيين ونواب وأكاديميين، وأجبرت ضغوط الشرفاء حكوماتهم أن يراجعوا مواقفهم. فكان ما كان من تحوّل تدريجي نحو الحق، وأضحت المعارضة على قدر الحكومة تُستقبل في عواصم الدول الكبرى، ويسعى إليها الدبلوماسيون والسياسيون، وأضحى الإعلام مفتوحاً أمامها. وبالمقابل بدأ الطرف الآخر يعاني من العزلة المحلية والدولية، بعد أن انكشف حجم المظالم والتضليل. ولم تنفع الجمعيات المفبركة والمنظمات المفتعلة والمسيرات المدفوعة، والوفود المجزية. ولم ينفع التحالف المحلي ولا التخاذل العربي ولا التواطؤ الدولي.
كان لابد أمام الكلفة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية العالية والعزلة الدولية، والهبوط في مؤشرات الثقة في الائتمان والشفافية والديمقراطية وحرية الصحافة، والتنمية البشرية، أن يتفتق الذهن عن مخرج جديد. فبعد سنتين من رفض الحوار وإنكار إرادة الشعب، توجه الدعوة مجدداً إلى الحوار، الذي قد يقصد منه البعض أن يكون حفل علاقات عامة ليسوق إلى المجتمع الدولي. لكن الرأي العام اليوم أكثر تيقظاً، وقوى المعارضة موحّدة، فلن تنطلي أية مناورة عليه، وهي تصر على أن أي اتفاق يجب أن يُعرض للاستفتاء الشعبي، فكيف يرد الثالوث على ذلك؟ بالادعاءات الفارغة، فكتبت إحداهن:
«عرض أبوي كريم لولد عاق». هكذا إذاً، هذا الشعب العظيم عاق! اللهم إلا إذا كان عاقاً للعبودية والمهانة التي ارتضاها العديدون لقاء مغانم لا يستحقونها، ومناصب تسلقوها ولا يريدون أن يخسروها.
إنه زمن جديد، فالشعوب العربية لن تقبل بعد اليوم بأن تكون عبيداً بعدما خرجت إلى الساحات بالملايين من أجل الحرية والكرامة.