يمعن بعض الكتبة والإعلاميين في تطاولهم على غيرهم من خلال ما يبثونه من سموم طائفية تارة، وأحقاد غارقة في التأويل تارة أخرى، ليغدوا تجار فتن لا يبيعون سوى الفتنة، سلعة يربونها ويزاوجونها ثم تتوالد لديهم لتصل إلى غيرهم من المغرر بهم، وأقول المغرر بهم، لأن الشعب البحريني لن يكون يوماً طائفياً بوعيه وبقدرته على فهم الأمور من حوله، بل إنه يتصرف كردة فعل لما يتجرعه يومياً من الكتبة الوصوليين، ومن أئمة بعض المساجد الذين لابد أن يوقفوا عن أعمالهم من أعلى سلطة في المملكة كي نعود للعيش بأمان وتلاحم.
بفضل سموم هؤلاء بات الوطن اليوم أشبه بساحة قتال، يقتتل فيها أخوَان كلٌ يحشد «طائفته» من أجل التفرد بالصوت الإعلامي والصورة التي قد تعرض في المرآة العالمية، ناسياً أنها ستظهر مشوهةً ومسخاً عن صورةٍ لم تعد تمثله، وكأن قابيل عاد مجدداً محاولاً اقتناص الفرصة لقتل هابيل الذي ما كان ينتظر أن ينفرد بأخيه، والفرق أن هابيل هنا عاد فارداً جناحي نسر ليكتمل المشهد.
وبفضل كل هذا التحشيد الإعلامي والمنبري باتت اللعبة السياسية التي لا يتقنها الكثيرون لعبة مفضلة لكثير من أبناء هذا الوطن جبراً لا خياراً، فأطل علينا العاطلون عن القلوب تفكيكاً وتنظيراً وتحليلاً لكل حركة وكل همسة تصدر من هذا وذاك، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إصدار أحكام مرتجلة مجانية تنم عن رغبتهم في التصيد ووصوليتهم ومواهبهم في التحريض.
لم يعد التحريض وحده هو الواقع الإعلامي لبعض الكتبة وتجار الفتن، بل وصل الأمر إلى إلغاء الآخر ومسحه ورسم سياسة إقصائية جبرية ترسل على طبق من فضة، وربما على طبق من دم، لبعض المسئولين في مختلف القطاعات، من خلال كلماتهم التي غدت بمثابة طعنات في خاصرة النسيج الاجتماعي لهذه المملكة، حتى باتت خاصرتها لا تحتمل مزيداً من الطعنات بعد أن أثخنت جراحاً وتنكيلاً.
وما يدعو إلى الاستغراب هو حال البعض الذين كانوا قبل الخامس عشر من مارس / آذار 2011 «معتدلين» بل وكان بعضهم مشهوراً بأعمدته الصحافية أو برامجه التي تهدف إلى تقويم «الحال المايل» لبعض الوزارات والمسئولين في الدولة، لكنه بات ذلك من أكثر المهاجمين شراسة لكل كلمة تدعو للإصلاح أو محاربة الفساد، وكأن الدولة باتت خالية من أي نوع من أنواع الفساد الإداري أو المالي، فقط من أجل ضرب الآخر المختلف معه فكراً، والوصول إلى القمة المنتظرة.
ما يستوجب التذكير هنا هو أن الرابح في النهاية خاسر لأنه خسر وطنه قبل أن يخسر أهله، وخسر نفسه قبل أن يخسر غيره، وهل يمكننا اعتباره رابحاً بكل هذه الخسارات؟
لأولئك المتطاولين العاطلين عن التفكير أقول: كفوا ألسنتكم عن هذا الجيل وليحيا كما عشنا في وطن لا يعرف التفرقة بين أبنائه ولا يعرف المهادنة حين يصل الأمر إلى إلحاق الأذى بإحدى ساعديه باعتباره جسداً واحداً لا يقبل القسمة على اثنين
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3353 – السبت 12 نوفمبر 2011م الموافق 16 ذي الحجة 1432هـ