هاني الفردان
تعد غرفة تجارة وصناعة البحرين من أعرق المؤسسات الأهلية، ليس على الصعيد المحلي، بل حتى على المستوى الإقليمي من خلال استقلاليتها الكاملة عن سلطة الدولة.
73 عاماً انتهت بخضوع هذه المؤسسة لوصاية الدولة، لعدة أسباب برزت بشكل كبير خلال العام ونصف العام الماضي.
صدور قانون الغرفة الجديد، يحمل تبعات سياسية كثيرة، تفوق ما هو مطروح من أنه لخلق حالة تنظيمية داخلية لم تكن ترقى من قبل إلى مستوى التشريع والقانون على حد قول البعض.
ملامح التغيير بدأت قبل عام ونصف عندما صدرت أوامر فوقية بفصل عضوي مجلس إدارة الغرفة إبراهيم الدعيسى وعادل العالي، ومن ثم جملة من المديرين، وعدد من الموظفين ضمن حملة التسريحات، أو ما عرف بـ «تطهير الدوائر والمؤسسات» بشكل غير قانوني ونتيجةً استهداف فئوي.
ألحق ذلك بقرار رقم (56) للعام 2012، الصادر عن وزير الصناعة والتجارة في الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران 2012 بشأن اجتماع الجمعية العمومية العادية لغرفة تجارة وصناعة البحرين المنعقد بتاريخ 8 أبريل/ نيسان 2012 والذي ألغى توصية تشكيل لجنة تحقيق مع الرئيس التنفيذي للغرفة، وذلك لمخالفته للنظام الأساسي للغرفة ويعتبر كأن لم يكن، ويلغى ما ترتب عليه من آثار من تاريخ صدوره.
تلك الأمور لم تكن بمسوّغ قانوني، ولم تكن مشفوعةً بنصوص واضحة تبين فيها أحقية تدخل السلطة التنفيذية في قرارات الغرفة التجارية العريقة.
بدت الأمور أكثر تخبطاً، وعدم قدرةٍ على السيطرة في ظل غياب التشريع الذي يجيز التدخل، وفي ظل كثرة الأمور التي تم فيها تجاوز مواد ونصوص القانون، والاعتماد على قرارات وتوجيهات خارجية للخروج من المآزق السياسية؛ بات من الضروري إيجاد مخارج قانونية.
الحديث عن قانون الغرفة الجديد لم يكن بارزاً إلا قبل ثلاثة أشهر تقريباً، عندما تحركت السلطة التنفيذية بسرعةٍ لسد ثغرة التدخل بتشريع يجيز لها ذلك التدخل المباشر.
تاريخيّاً، أنشئت أول غرفة تجارة في منطقة الخليج العربي في البحرين العام 1939، وسُميت آنذاك باسم «جمعية التجّار العموميين»، وظلت تعرف بهذا الاسم حتى العام 1945؛ حيث سمّيت «غرفة تجارة البحرين»، ثم أصبحت تعرف باسم «غرفة تجارة وصناعة البحرين» منذ العام 1967.
اعتقد البعض أن الغرفة بتاريخها أكبر من أن يتم تقييدها بمواد قانونية، استناداً إلى أن هذه الغرفة وجدت قبل الدولة بأكثر من 30 عاماً، وتناسى هؤلاء أن الوجود تغيّر والمصالح توسّعت وتعمّقت، وما هو مستحيل قبل عام ونصف أصبح مجازاً حاليّاً ومباحاً.
الخلافات داخل الجسم التجاري واضح، ولذلك صدر القانون من دون إقرار الجمعية العمومية، وبوصاية فوقية وعبر موافقة مجلس الإدارة.
كون الغرفة مؤسسة أهلية مستقلة؛ فإن أي قانون يتعلق بها يجب أن يصدر من هياكلها الداخلية، وليس عبر صياغة أو وصاية رسمية. ولذلك جاء القانون، واضحاً وصريحاً، في سحب الغرفة ذات الـ73 عاماً من الاستقلالية… إلى مظلة الوصاية الرسمية عبر عدة مواد؛ أهمها: المادة (32) وتنص بوضوح «يخطر الرئيس الوزير بقرارات المجلس وتوصياته للعلم والإحاطة خلال خمسة أيام من تاريخ صدور القرار أو التوصية، وفي حال ما إذا رأى الوزير أنَّ أيّاً من هذه القرارات أو التوصيات يخرج عن اختصاص الغرفة أو يتضمن مخالفةً للقانون أو خروجاً عن السياسة العامة للدولة، كان له الاعتراض عليها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أو التوصية، وإعادتها إلى الغرفة مشفوعةً بأسباب الاعتراض لإعادة النظر فيها، فإذا أصرت الغرفة على قرارها أو توصيتها أو ضمنتها بمخالفة جديدة؛ عرض الأمر على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه بشأنها».
المادة (9) «يكون تحديد المبالغ المستحقة عن التسجيل للعضوية والاشتراك السنوي وغرامة التأخير عن سدادها والخدمات كافة التي تؤديها الغرفة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على توصية مجلس الإدارة التي ترفع من خلال الوزير».
المادة (14) «(…) يكون لكل عضو عدد من الأصوات في الاقتراع بحسب رأسماله وفقاً لجدول مرفق بالقانون».
ربما تكون المادتين (9) و(32) من أهم المواد التي توضح بجلاء كيفية فرض وصاية الدولة على قرارات الغرفة وبشكل تام، إلا أن المادة (14) تحتاج إلى التوضيح قليلاً، فقد وضعت السلطة مصير الغرفة في يد الشركات الكبرى ذات رأس المال الأكبر. وما وضعت هذه المادة إلا لغلبة الشركات الحكومية التي بطبعها تكون ذات الثقل المالي الأكبر دائماً وأبداً، ومن ثم سيكون مصير الغرفة مستقبلاً في يدها.
بعد 73 عاماً من استقلالية التجار ومؤسستهم الأهلية، خرج البعض ليقول إن القانون الجديد وما تضمنه من مواد «سيساهم في تقوية الغرفة ودورها في صناعة القرار الاقتصادي»، والسؤال أي قرار تمتلكه الغرفة بعد صدور القانون الجديد؟ وهو الذي سحب من يدها حتى تحديد قيمة اشتراكات أعضائها وغرامات التأخير والخدمات التي تؤديها! وسلّم زمام أمورها إلى الشركات الكبرى (الشركات الحكومية) على حساب أصحاب المؤسسات المتوسطة والصغرى.