اسماعيل أبو البندورة
مقتل فهم الصراع في فلسطين بين الأمة العربية والكيان الصهيوني في راهنه الحالي وفي أبعاده التاريخية، عندما يقدم البعض سياسيا وفكريا على تجزيئة الى حوادث، ومفردات، ومقتلات، وأماكن وأزمان منفصلة، أو عندما يتم اختزالة بحادثة اجرامية معينة مفصولة عن سياق تاريخي طويل من القتل والوحشية والمجازر المستديمة، وعند تجريد الكيان من مواصفاته العنصرية واغفال عدم تاريخيته، وعقده المزمنة، واعتباره طرفا يقبل منه ما هو سائد بين الدول الطبيعية من حوارات واعتذارات ومجاملات دبلوماسية وسجالات حول ملفات القتل والانتهاك.
ومأساة وعينا العربي الراهن هي في تصور البعض لامكانيات التعايش العادي مع هذا الكيان العنصري، أو في امكانية تجريده (بالتطبيع وعقد المعاهدات والاستخذاء) من صفاته الجوهرية في أن يكون متوحشا وعنصريا وطاردا للآخر، ومنزويا في جيتواته واختلاقاته الاسطورية ورهابه السايكولوجي المستديم من الأغيار.
فالمسألة بيننا وبينهم ليست على هذا النحو كما يجب أن نفهمها من منظارنا القومي، وكما يفهمونها هم عنجهية واستعلاءا واستقواءا من منظورهم العنصري الاقصائي البربري.
وميزة هذا الكيان العنصري وطبيعته المتوحشة أنه يصرّ في كل المناسبات على تأكيد حقيقة غيريته ومغايرته العنصرية، وطروئه على تاريخ وجغرافية العرب، من خلال القتل المتواصل لكل العرب من كل الأعمار بدم بارد، ومن خلال تحويل الشعب العربي الفلسطيني الى ميدان دموي مفتوح للمارسات الوحشية والعنصرية، ومن خلال الاعتداءات المتواصلة على الانسان والمكان في فلسطين في عمليات تطهير عرقية ومكانية متواصلة فاقت كل تصور وخيال.
الذي نريد أن نؤكده في هذا المجال أننا نريد أن نتفق على وعي وتعريف قومي واحد تجاه العنصرية الصهيونية وممارساتها وعلى موقف واحد من المواجهة والتحدي في هذه المعركة الطويلة، وأن لا نقبل بأي حال وتحت أي ظرف المنطق الصهيوني التجزيئي المخاتل في تفسير وتصوير الصراع وتلوينه بألوان حربائية مختلفة في كل مناسبة ومجال، وأن نبقي في خيالنا الشعبي صورة "بيريز ونتنياهو" وغيرهم من المجرمين الصهاينة الذين يقودون الكيان منذ تأسيسه على أنهم القتلة والبرابرة، وليس رؤساء الدول والحملان الوديعة التي تأسى وتوزع الاعتذارات. وهذه كما نرى نقطة جوهرية في تصور الصراع والتعامل مع الجرائم المستمرة للكيان الصهيوني، فهنالك جريمة كبرى بدأت منذ بدايات القرن العشرين في فلسطين وتناسل منها ولا يزال يتناسل العديد من المجازر والانتهاكات والجرائم الافرادية، والموقف الصحيح منها لا يكون الا بالمقاومة الشعبية المتواصلة متعددة الأشكال والانتفاضات المتوالية التي تعيد الصراع الى سياقاته الصحيحة، في أنه صراع وجود وليس نزاعا حول مسائل يمكن حلها بالطرق الدبلوماسية والمفاوضات حتى لو كانت موازين القوة العسكرية في غير صالح الأمة، أو أن الظروف ليست في وارد المواجهة العسكرية. وفي هذا ومداره ومعانيه ما يحبط خطط الكيان الصهيوني ومشاريعه في ادعاء التأقلم والتطبيع والتسيّد والامساك بزمام الامور في فلسطين والمنطقة بأكملها.
مقتلة الكيان الصهيوني هي في الرفض والمقاطعة العربية والاستبعاد وتفويت الزمن الصهيوني، وتأكيد الطروء التاريخي والعنصرية والاغتصاب، وليس في الجدل والتحقق من دوافع القتل والقتلة، وزمن ومكان القتل بالنسبة لجريمة محددة، لأنه زمان ومكان مفتوح للجرائم منذ بدايات القرن، ولأن الجرائم الافرادية والموسمية ليست الا تجليات للفكر العنصري الصهيوني المتوحش دائما، أو على الأقل منذ أن فكر قادة الحركة الصهيونية باغتصاب فلسطين، وعلينا أن نشهرهذه الحقيقة التاريخية في كل المناسبات والاعتداءات، وأن نحولها الى أرضية للتصور والتفكر والتعامل مع هذا الكيان وجرائمه، وأن نجدد الحديث عنها عند كل جريمة صهيونية، وأن نبقيها في الخيال وعيا شعبيا وادراكا قوميا لطبيعة الصراع وتحدياته وطرق مواجهته.