العراق – هزيمة الاحتلال وانتصار المقاومة
محاضرة للأستاذ محمود القصاب
القاها في ملتقى الإثنين الثقافي للتجمع القومي الديمقراطي
الاثنين 6 ابريل 2009
للأستاذ : محمود القصاب
في البداية دعونا اولا في هذه الذكرى ان نوجه تحية صادقة الى المقاومة العراقية الباسلة. ونترحم على الشهداء الابرار في العراق وفلسطين ولبنان وفي كل ارض عربية ونقف وقفة تضامن مع الاسرى المظلومين في سجون الاحتلال الذين يدافعون عن كرامة العراق والامة العربية.
سوف نحاول في هذه الورقة التحدث عن واقع واستراتيجية الاحتلال الامريكي وما يقابلها من واقع واستراتيجية المقاومة العراقية التي استطاعت هزيمة الاحتلال، وسوف نجعل حديثنا في ثلاثة محاور اساسية:
المرور ببعض المحطات التاريخية واهمية هذا في مواجهة الزخم الاعلامي وضبط الروية على حقيقة العدوان:
1. قوى الاحتلال (امريكا – الكيان الصهيوني – ايران).
2. قوى المقاومة (طرفي المعادلة العراقية) حاجتها الى حاضنة قومية.
3. النظام العربي الرسمي ودوره في قضية العراق.
عند الحديث عن الولايات المتحدة واسباب عداءها للعراق سنقف حتماً عند سبب الدور القومي الذي يلعبه العراق سواء بالنسبة الى المحيط العربي الاقليمي او بالنسبة الى قضية فلسطين تحديدا ودور هذا البلد في حفظ التوازن في ظل الصراع العربي الصهيوني لتبقى اسرائيل القوى الوحيدة في المنطقة، حيث ان خروج العراق من ساحة المواجهة ووجود القوات الامريكية يشكل ضغطاً على سوريا لقبول الشروط الصهيونية في التسوية، كما ان امريكا تريد السيطرة على البترول العراقي وتتحكم في انتاج النفط لثاني اكبر احتياط نفط في العالم، اذا اضفنا هذه الاسباب الى الموقع الجغرافي الهام للعراق تعرف بالتالي حجم اهمية العراق بالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية ومشاريعها الاستعمارية في المنطقة وكما هو معروف فقد ضلت علاقة العراق مع الولايات المتحدة الامريكية مضطربة بل ومقطوعة عدة عقود ولم تستأنف سوى في فترة الثمانينات قبل ان تعود مرة اخرى للتوتر والقطيعة مع بداية التسعينات فقد كان هم امريكا وحلفاءها من الصهاينة وبعض دول المنطقة كيفية التخلص من قوة العراق الذي خرج منتصرا من حرب استمرت ثمان سنوات مع ايران، خرج وهو يملك جيشاً قوياً وسلاحاً متطوراً، وقيادة مجربة وضعت قضية فلسطين وتحريرها على راس سلم اولوياتها. لذلك كان لابد للولايات المتحدة ان تبدأ في رسم الخطط وحياكة المؤامرات التي تربك العراق وتدخله من جديد في صراعات داخلية وحارجية. وكان لابد من تحريك خيوط "لعبة الامم" وجاءت احداث الكويت لتكون بمثابة الطامة الكبرى او الزلزال الذي عصف بالعراق والمنطقة، ومع هذا الحدث الكارثي جاء العدوان الثلاثيني واعقبه حصار طوال ثلاثة عشر عاماً كان بمثابة البوابة الكبرى التي دخل منها الاحتلال والغزو الامريكي الصهيوني الايراني في مارس 2003، والذي قاد الى اسقاط الدولة العراقية واسقاط النظام الوطني والقومي فيها وتنصيب نظام بديل عميل يقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية، وكما تعرف ويعرف كل العالم حجم الاكاذيب والتلفيقات التي سيقت من قبل الغزاة لتبرير عدوانهم واحتلالهم للعراق، وكيف تم توظيف المكانة الاعلامية والدعاية الرهيبة في تهيئة الراي العام لهذا الاحتلال.
نريد من هذا السرد السريع ان نذكر بالحقيقة الذي يجب ان تبقى حاضرة دائما في عقولنا ووجداننا وهي ان هناك بلدا مستقلاً دو سيادة اجتاحته قوات الغزو الامريكي واخضعته ارضا وشعبا وسيادة ومقدرات وبقوة السلاح لاحتلالها. وتحت قوة هذا السلاح قامت بوضع نظم وقوانين ونفذت مشاريع سياسية واقتصادية وثقافية لتحل محل ما كان سائداً قبل الغزو، وقد قامت إدارة بوش تحت حكم المحافظين الصهاينة باستخدام كل الوسائل ولجأت الى كل الاسلحة المحرمة للسيطرة على الوضع في العراق وتثبيت الاحتلال فيه.
وكما قلنا ان هؤلاء الغزاة جاءوا الى العراق وفق استراتيجية مدروسة ومعلنة وهي تقوم على ثلاث اسس هي:
السيطرة على البترول وحماية الكيان الصهيوني، والانطلاق منه لبدء تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد القائم على تفتيت دولة الى كانتونات وفيدراليات طائفية وعرقية.
وخلال الست سنوات التي مضت من عمر الاحتلال حاول الامريكان بكل الطرق توطين الاحتلال وتنفيذ مشاريعهم الا انهم ووجهو بجدار المقاومة العراقية وبالرفض الشعبي العراقي الذي التف حول مقاومته الوطنية، ورغم هذه الحقيقة علينا ان نقر ان المحتلين استطاعوا تحقيق بعض اهدافهم الخبيثة في هذا البلد، فهم قد دمروا دولة قوية كانت قائمة، ودمروا كل مؤسساتها، واستطاعوا ان يدخلوا البلاد في حرب طائفية وعرقية قذرة على يد التنظيمات والقوى الارهابية التي ادخلوها الى العراق واطلاق يد فرق الموت والمليشات الطائفية لقتل وتهجير الالاف من العراقيين في داخل وخارج العراق.
ومع كل هذه الكوارث التي احدثوها في العراق، فان مشاريعهم الاستراتيجية الكبرى قد فشلت بل ودخلوا بسببها في مأزق قاتل لا يعرفون حتى الان كيفية الخروج منه.
قلنا ان ما يختزنه العراق من ثروات وما يتمتع به موقعه الجغرافي من اهمية يجعله دون شك هدفا متقدما للغزاة، ان لم يكن الهدف الاول، فاطماع الشركات الامبريالية تجد ضالتها في ثروات العراق وخيراته واهدافهم التوسعية تصبح اكثر منالا بتواجدهم الدائم على ارضه.
فالعراق بالنسبة الى امريكا (محافظين او ديمقراطيين) هو البوابة التي تبقيهم متربعين على عرش السيادة على العالم لقرن قادم على اقل تقدير وهذه حقيقة يدركها الامريكان اكثر من سواهم ولاجلها جاءوا الى العراق محتلين وتحملوا وما زالوا يتحملون الخسائر.
ما اريد ان اخلص اليه في هذه النقطة هو ان الاستراتيجية الجديدة التي اعلن عنها اوباما في العراق هي في الواقع لا تحمل اي جديد في سياسة امريكا تجاه هذا البلد ولا تحمل اي تعديل على ثوابتها الاستراتيجية، وان كان هناك تعديل على بعض التكتيكات التي تبقى على الاهداف الرئيسية وتتلخص في:
1. محاولة تحجيم او تقليل التواجد العسكري للحد من الخسائر المتفاقمة في صفوف افرادها ومعداتها.
2. محاولة تجاوز الواقع المزري والسمعة السيئة التي لحقت بالولايات المتحدة بسبب الحروب التي خاضتها وادخلتها في ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية.
3. الاحتفاظ بتواجد سياسي وعسكري كاف ودائم على ارض العراق، وبما يضمن استمرار الهيمنة الامريكية وتقويتها، لذلك سوف تلجأ الى اعادة انتشار قواتها وتركيز تواجدها في قواعد عسكرية دائمة.
ماذا يعني هذا؟ يعني باختصار ان الولايات المتحدة الامركية لن تخرج من العراق طواعية، وانها لن تسحب قواتها بمحض ارادتها، فالاحتلال الامريكي شانه شأن كل احتلال غاشم لن ينسحب من ارض العراق الا مهزوماً مدحوراً، فهزيمته وجوداً ومشاريعاً وعملاء هو السبيل الوحيد لتحرير العراق وهذه هي مهمة المقاومة العراقية.
2. الكيان الصهيوني:
لسنا بحاجة الى الحديث كثيرا عن دور الكيان الصهيوني في التحريض على العراق، والدور المباشر وغير المباشر الذي لعبه هذا الكيان في غزو العراق عام 2003، فهذا الكيان ينطلق في عدائه للعراق وللعرب عموماً من استراتيجية وضعت منذ قيام الدولة العبرية عام 1948م وهي استراتيجة عمل على تنفيذها رئيس الوزراء الصهيوني بن جوريون في تلك الايام، وظلت مستمرة على يد كل قادة الكيان الصهيوني الذين جاءوا بعده. وهي تقوم على ثلاث محاور:
1. العمل على اضعاف الدول العربية عن طرق محاولة اختراقها من الداخل بالتعاون مع الطوائف والجماعات غير العربية التي تعيش في ظلها خصوصا في شمال العراق (الاكراد) وجبال لبنان (الموارنة) وجنوب السودان (دو الاصول الزنجية).
2. التعامل مع الاطراف او ما يطلق عليه سياسة خلف الجوار، بمعنى مد الجسور مع الدول المحيطة بالوطن العربي والتعاون معها لاضعافه والضغط عليه من خارجه وهذه الدول هي ايران ، تركيا ، اثيوبيا (فضيحة ايران كونترا وتزويد ايران بالسلاح لمدة عامين).
3. محاولة السيطرة على بعض المنافذ البحرية الهامة، لان اي نقاط يتم السيطرة عليها وفق هذه الاستراتيجية سوف تمكن اسرائيل من التخلص من اي محاولة عربية لحصارها او تطويقها، كما انها تشكل (المنافذ) في ذات الوقت قواعد انطلاق لمهاجمة الدول العربية في عقر دارها، ونحن نعرف ان بن جوريون قد شكل فريق عمل من خمسة خبراء صهاينة لوضع وتنفيذ اهداف هذه الاستراتيجية.
هذا الواقع يكشف لنا حجم الدور الذي قام يه ولا يزال هذا الكيان في العراق فالصهاينة واجهزة مخابراتها تواجدوا في شمال العراق منذ التمرد الكردي الذي قاده مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني، وهم الذين امدوا التمرد بكل انواع السلاح لاستمراره في محاربة الدولة العرقية، وهم الذين حرضوهم على رفض كل مشاريع السلام التي عرضتها الحكومة العراقية آنذاك على الاكراد والتي كانت كفيلة بتحقيق اهداف واماني الشعب الكردي في الحكم الذاتي. وهم ايضا الذين استمروا في دعم جلال طالباني ومسعود البرزاني خاصة بعد العدوان على العراق عام 1991 وعزل شمال العراق منذ ذلك الوقت، ليشكل قاعدة اساسية للصهاينة في التحضير لغزو عام 2003، وهؤلاء الصهاينة هم الذين دمروا المفاعل النووي العراقي واغتالوا عدد من العلماء العاملين في هذا المجال، للحيلولة دون تقدم هذا البلد. ولم يعد سرا ان اجهزة المخابرات والقوات اسرائيلية هي من يشرف اليوم على تدريب قوات البشمركة الكردية في شمال العراق ربما او استعدادا لاعلان الدولة الكردية وفق مخطط تقسيم العراق المعروف.
4. النظام الايراني:
لا يخفى ان ايران بحكم موقعها وثرواتها وقوتها تسعى الى ان تكون الدولة المهيمنة وصاحبة النفوذ في المنطقة، وهي تدرك ان هذا الهدف لا يمكن ان يتحقق لها سوى عن طريق اضعاف العرب واحداث مشاكل لهم. والتدخل في شئونهم وفي اطار هذه الرؤية الايرانية ياتي تدخلها في لبنان وفلسطين واليمن، وكذلك اصرارها على ابقاء احتلالها للجزر الاماراتية، وتكرار ادعاءاتها حول تبعية البحرين لها من وقت الى اخر، وهي بذلك ترمي الى تحقيق مصالحها القومية، تحت غطاء الدين والطائفية.
والحديث ان تدخل ايران في اوضاع العراق يملأ مجلدات، فهذه الدولة هي اول من تعاون مع الامريكان في شن الحرب على العراق واحتلاله، فقد كشفت تقارير كثيرة عن وجود قائداً عسكرياً ايرانياً في شمال العراق قبل الاحتلال، وكان يقوم بمهمة التنسيق مع القوات الامريكية، كما ان ايران هي التي اعطت الضوء الاخضر لعملاءها للمشاركة في الاستعدادات الامريكية للغزو، وهي التي قدمت الدعم في الشمال والجنوب، فقد اعترف مؤخرا العميل المزدوج احمد الجلبي في جريدة الحياة بدور التنسيق الامريكي الايراني في احتلال العراق، وكل القابضين على السلطة اليوم في العراق هم جاءوا عن طريق ايران، كما ان الامريكان قد اطلقوا يد ايران وعصابات (فيلق القدس الايراني) (وفيلق بدر) ومليشيات "حزب الدعوة" ليعيشوا في العراق قتلاً وتدميراً؟، فهذه العصابات هي المسؤولية عن قتل كبار الضباط وطياري الجيش العراقي انتقاماً من دورهم في الحرب العراقية الايرانية، وايران هي اول دولة اعترفت بالحكومة العملية التي نصبها الاحتلال في مجلس الحكم القائم على المحاصصة والعراقية.
واستمر تدخل ايران في كل شئون العراق طوال سنوات الاحتلال في طول البلاد وعرضها، ودخلت مع الامريكان في عهد بوش في عدد من جولات المباحثات على ارض العارق لاعداد تدريبات اقتسام المصالح والنفوذ على حساب العراق واستقلاله ومصيره ومستقبله.
وايران لا زالت تمارس سياسة التهديد والابتزاز للحصول على المزيد من المكاسب والنفوذ في العراق والمنطقة، خاصة بعد ان اعلن اوباما عن نيته فتح حوار مباشر معها، وهي تتطلع وتمنى النفس بملئ الفراغ في العراق بعد الانسحاب الامريكي، وقد جاءت الرسالة الاخيرة من اوباما الى القادة الايرانيين لتضيف حلقة جديدة اخرى في سلسلة التواطؤ الامريكي الايراني وبما يوسع من التغلغل الايراني في العراق والوطن العربي.
ثانيا: النظام العربي الرسمي:
نحن لا نتحدث هنا عن النظام العربي الرسمي من باب الثقة او التمويل عليه في احداث التوازن المفقود في القضية العراقية والمعادلة الاقليمية التي تميل لصالح اطراف اقليمية غير عربية ؟؟ انما من باب التساؤل: هل تدرك الدول العربية انه قد حانت ساعة تنفيذ الرغبة او المخطط الامريكي في تغييب الدور العربي في الاقليم بصورة نهائية، وتقسيم الاقطار العربية وشرذمتها وابراز دول الاقليم (تركيا ، ايران ، الكيان الصهيوني) في اطار ما يسمى الشرق الاوسط الكبير ؟؟
ونحن نعتقد ان الدور التركي الذي برز بقوة في الفترة الاخيرة سواء في فلسطين او العراق، وكان موضوع ترحيب من البعض من منطلق طائفي للاسف في احداث توازن مع الدور الايراني، نرى ان هذا الدور لم ياتي صدفة وليس من باب الشهامة او النخوة التركية، بل هو ياتي منسجما مع المخطط الامريكي كما قلنا في تغييب الدور العربي وفرض دور اقليمي (زيارة قادو تركيا إلى العراق) ترى اين هو الدور العربي ؟؟
خاصة وانه يجري الحديث اليوم عن المصالحات العربية، والحديث عن عودة التضامن العربي.
في فترة تعيش فيها الدول العربية حالة من التفكك، وصارت دول اخرى هي التي تقرر مصير العرب وتضع الحلول لمشاكلهم.
لقد اصبحنا بفضل سياسات هذا النظام العربي الرسمي على هامش التاريخ، تنتظر ما يرسمه لنا الاخرين على طاولات المفاوضات التي يجلس اليها كل من هو ليس عربي.
تعقب سؤالنا الاول بسؤال آخر هل هناك من امل في صحوة عربية تعيد بعض ملامح مرحلة الخمسينات والستينات ؟
حيث الالتزام بالحد الادني من المصلحة القومية ؟ نعم كان يوجد قصور ايضا في السابق ولكن خطوات التضامن والتنسيق كانت متقدمة قياسا الى ما يجري اليوم على الارض العربية.
فعلى الرغمم من كل الثغرات التي رافقت تجربة الخمسينات والستينات من القرن العشرين الا انها زرعت القلق في اوساط التحالف الاستعماري الصهيوني واستمر مخطط القضاء عليها واحباط مفاعيلها واستباق تراكمها، وكانت حرب حزيران 1967 اكثر مظاهر المخطط بروزاً وراح التحالف يستكمل خططه، ولكن الانظمة العربية نفسها اتخدت لمدة واحدة في اعقاب حرب تشرين 1973 قرار وقف البترول ومنع تصديره الى كل دولة تؤيد الكيان الصهيوني.
في تلك الفترة كانت الحركة القومية تمر بمرحلة حيوية خاصة وان قيادتها كانت معقودة اللواء لكل من الحركة الناصرية، وحزب البعث العربي الاشتراكي.
(الذي جاء الى الحكم عام 98 ردا على هزيمة حزيران 67) وكانت الحركة مدعومة شعبيا من جهة وكانت تفرض احترامها على النظام العربي الرسمي من جهة ثانية.
وفوق هذا كان العالم محكوما بقطبين عالميين متناقضين (امريكا – والاتحاد السوفياتي) وكانت هناك منظومة دول عدم الانحياز التي كانت تفرض وجودها واحترامها على القرار الدولي.
كل هذه العوامل كانت تشكل عوائق امام المخططات الاستعمارية الصهيونية، صحيح لم تستطع منعها بصورة نهائية، ولكن على الاقل استطاعت تاجيلها واستمر المخطط الاستعماري انتظارا للفرصة او لحصول ثغرة في المحيط القومي، وحصلت هذه الثغرة أولا بغياب الناصرية (رحيل عبد الناصر) وحضور الساداتية واستفراد التحالف الاستعماري الصهيوني بحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، والذي اصبح اسقاطه امرا ملحا بالنسبة إلى هذا التحالف.
هذه النتيجة اصابت الحركة القومية السياسية بنقص في المناعة وغاب تاثيرها عن النظام العربي الرسمي، كما خفتت فعالياتها على الجماهير الشعبية وفقدت عوامل استقطابها، مما دفع بالانظمة العربية للاستسلام الكامل والارتماء في احضان محركي التحالف الاستعماري الصهيوني ودخلت هذه الانظمة مرحلة السبات وتنفيذ الاوامر والاملاءات التي ينقلها قادة ومسؤولين في واشنطن وبريطانيا وغيرهما من اباطرة القوى الاستعمارية.
كذلك ادى غياب الجركة القومية الى ان تملا الحركات الدينية السياسية الفراغ الذي تركه القوميون، وربما بتشجيع واحتضان من قبل التحالف المذكور، فهذا التحالف الاستعماري في الوقت الذي وضع المخططات وحاك المؤامرات لتحقيق اهدافه في ضرب واجتثاث الفكر القومي فانه لم يكن يخشى من الحركات الدينية السياسية لانها تشكل بديلا تتوافق مشاريعها السياسية التفتيتية على قواعد دينية ومذهبية مع مضامين الشرق الاوسط الجديد اضافة الى العداء التاريخي المستحكم للفكر القومي.
اليوم امام النظام العربي الرسمي فرصة تاريخية وهو يسعى الى المصالحة بين اقطابه، وامامه افرازات فشل امركة العالم، وامامه فشل المشروع الامريكي في العراق والمنطقة، وهناك دول الاقليم الجغرافي الذي يحاول ملأ الفراغ والاستفادة من انحسار الدور الامريكي المتوقع، وهو ما يعني ان الوضع العربي منتظر له ان يواجه ازمة اخرى ويدخل في مازق جديد اذا لم يحسن النظام العربي التعامل مع هذه المتغيرات بمسؤولية قومية وبعقلية تضع المصلحة القومية العليا في قمة اولوياته، فبعض الدول العربية قد راهنت في مرحلة العدوان على العراق واحتلاله على حماية تبسطها الولايات المتحدة الامريكية على تلك الانظمة، الا ان نتائج الاحتلال في العراق بالنسبة لهذه الانظمة لم يكن فشل المشروع الامريكي فحسب وانما قد فتح بوابة الوطن العربي عبر العراق وجعلها مشرعة امام اطماع اقليمية اخرى، وهي البوابة التي ظلت محمية طوال عقود من حكم نظام البعث في العراق، وهكذا نظرا للحسابات الخاطئة والانانية، فان وضع العراق يشكل بالنسبة الى النظام العربي الرسمي ازمة كبرى، وهو يواجه تداعيات الاحتلال وفشله، وهذا يعيد لنا استذكار كيف وقعت هذه الانظمة في افخاخ الخداع الامريكي سواء كان في قبول التواطؤ ضد العراق والعدوان عليه عام 91 أم في فرض الحصار عليه طوال ثلاثة عشر عاماً، اًم من خلال احتلاله عام 2003م.
وكان يفترض ان تقف الدول العربية مطولاً امام مرارة تجربة الاستجابة للخداع الامريكي وان تعمل على تصحيح بعض سياساتها خاصة في العراق وفلسطين، وان تضع في حساباتها ان هناك احتمالاً تعد له الادارة الامريكية يقضي بتسوية خلافاتها المرحلية مع دول الاقليم الجغرافي للوطن العربي، وقد يدفع العرب ثمناً باهضاً لهذه التسوية (او الصفقة) وهي تعني ان العراق او جزء منه على الاقل سيكون قابعاً تحت هيمنة ايران. للاستفادة من خدماتها كمواطئ قدم للمشروع الطائفي السياسي في المنطقة، خاصة وان تفتت الوطن العربي الى كيانات طائفية وعرقية ياتي في صلب المشروع الامريكي الصهيوني.
لذلك على الانظمة العربية ان تقلع عن سياساتها القديمة، ولا يجب ان تراهن مجدداً على الرهان الامريكي الخاسر، لانها برهانها على الدور الامريكي يعني ان الانظمة العربية قررت هذه المرة ان تلعب دور الاحتلال، ولكن بعباءة عربية، وعليها ان تفكر كيف تستفيد من المستجدات لصالح الامن القومي العربي، وان لاتضيع الفرصة مجددا في اوهام لا تمت بالواقع بصلة، وان تكف ان ارتكاب الاخطاء، ومنها الاستمرار في الاعتراف بالنظام العميل في العراق، وتقديم الغطاء والشرعية السياسية له، فعليها ان تدخل الى القضية العراقية من بوابتها المسؤولة ومفاتيح هذه البوابة هي بيد المقاومة الوطنية العراقية، اي المقاومة التي هزمت المحتل، ويجب ان لا يتصور احد او يتوهم بأن من هزم راس الافعى سيفاوض او يتصالح مع ذيلها، ولتكف الجامعة العربية وامينها العام عن الرقص على جراح واوجاع العراقيين، فلن تجدي كل محاولاتهم في تحسين صورة هذا النظام العميل الذي دمر العراق وخان شعبه، فامريكا نفسها قد اعترفت تصريحاً وتلميحاً بهزيمة الاحتلال، وهذا يعني هزيمة كل افرازاته ونتائجه، فهل يعقل ان لاتكون الدول العربية قد فهمت الرسالة الامريكية على حقيقتها، هكذا يبدو في الواقع والا كيف لنا ان نفسر هذا التحرك المريب من قبل الجامعة العربية وبعض الانظمة العربية باتجاه العراق في الزمان الخطأ ..
وتحت العناوين الخطأ.
ثالثاً: المقاومة الوطنية العراقية:
المقاومة ضد الاحتلال حق مشروع لمن تقع ارضه تحت الاحتلال، وهذا الحق المشروع الذي تقره الشرائع والقوانين الدولية واعراف الشعوب ينبغي الدفاع عنه في معارك الشعوب ضد الاستعمار والعنصرية، وهو من اول الواجبات واقدس المهمات.
والمقاومة العراقية هي المعبرة عن ارادة الشعب العراقي وتطلعه نحو الحرية والخلاص.
ومنذ لحظة انطلاقها اكدت اصرارها على مقاتلة المحتل وافرازاته بكل السبل والوسائل المتاحة، وعلى راسها الثورة المسلحة ولهذا الاصرار خاضت ولازالت تخوض الكثير من المعارك ضد المحتلين واعوانهم، وهي باتت اكثر من اي وقت مضى على مشارف تحقيق اهدافها، مع الادراك التام لمناورات وتكتيكات المحتل الاقليمية، ومحاولته فرض وقائع جديدة تقود الى ذات الاهداف عبر تقاسم النفوذ مع القوى الامريكية وتحويل العراق الى ارض مساومة، فهناك دلائل تشير الى سعي امريكي حثيث لتعويض الخسارة والفشل بمكاسب او نصر سياسي يتحقق على هيئة ترسيخ استمرار النفود والهيمنة الامريكية باشكال جديدة تحفظ لامريكا مصالحها عن بعد وبدون خسائر ومن خلال معادلات يتم الاتفاق عليها كما اشرنا قبل قليل مع ايران وتركيا والكيان الصهيوني وغيرها من القوى الطامحة لملء الفراغ وقطف الثمار السياسية.
من هنا فان هذه المقاومة التي اجبرت المحتل الامريكي على الفتكير في الانسحاب تحت وقع الخسائر التي الحقتها به، هذه المقاومة تلقى علينا واجب الدفاع عن شرعيتها ومشروعيتها خاصة في ظل هذه الظروف التي تضج بالسياسات والحملات الاعلامية الصهونية والامريكية وحتى العربية احيانا التي تريد ان تسبغ عليها صفة الارهاب وتسحب عنها المشروعية وتحملها مسؤولية كل ما يجري على ارض العراق المستباحة.
فدعم المقاومة العراقية في المرحلة الراهنة اصبح مهمة قومية اساسية لكل القوى الوطنية والقومية والاسلامية، بل وكل الخيرين في الوطن العربي واشكال وصور الدعم على النطاق القومي يمكن يكون كما يلي:
1. التاكيد على ان المقاومة العراقية هي الممتل الشرعي الوحيد للشعب العراقي وتطلعاته في الحرية والاستقلال، واقامة النظام الوطني الديمقراطي تكون قاعدته واساسه القوى التي قاومت الاحتلال واسهمت في افشال اهدافه ومشروعه الاستعماري الكبير في العراق والمنطقة.
2. وقف رفض التعامل مع النظام العميل الذي اقامه الاحتلال وحرمانه من الشرعية السياسية والضغط عليه من اجل التراجع عن اتفاقياته المشبوهة وكل ما ينسجه مع قوات الاحتلال، وتفويض امر العراق الى المقاومة وابطالها وقادتها.
3. اقاماة هيأت شعبية وقومية عربية في كل اقطار الوطن العربي تكون مهمتها مؤازرة المقاومة العراقية وشرح برنامجها وتطلعاتها لابناء الامة وخلق راي عام مؤازر لها، وهنا يجب على كل الكتاب والمثقفين العرب التصدي لكل دعاوى واكاذيب الاحتلال، بل ومواجهة كل منظومته الاعلامية والفكرية والثقافية التي روجت ولا زالت تروج لقوى الاحتلال.
نحن ندعو الى نصرة المقاومة العراقية في هذا الطرف وانطلاقا من بعض الحقائق التي تشير الى ان اهداف هذه المقاومة تسير على الطريق الصحيح رغم كل تعقيداته خاصة مع تزايد الالتفاف الشعبي حولها والمرتبط بتساع دائرة العمل الجهادي المقاوم.
من هذه الحقائق:
1. ان المقاومة العراقية باتت ترتكز على جغرافية واسعة وامتداد شعبي هائل، ولديها قدرات واسعة وامتداد شعبي هائل ولديها قدرات قيادية وخبرات تكتيكية واستراتيجية فذة، تعوض عن القدرات المادية المتواضعة لديها قياساً بما يملكه العدو.
2. دوائر القناعة بفعل المقاومة تتسع يوم بعد يوم، وذلك يعود لاسباب موضوعية وذاتية اهمها الاخفاق المريع للاحتلال ولعملاءه.
3. الصوت الاعلامي – رغم كل محاولات التعتيم – بدا يعلو ومساحات تاثيره تكبر بعد تهادي مرتكزات الكذب والتدليس اللذان يشكلان دعائم اساسية للمحتل واعوانه.
4. كل معطيات الواقع اصبحت تميل بوصلته لصالح المقاومة، خاصة مع دخول العملية السياسية الاحتلالية في مازق خطير بسبب الصراعات القائمة والمنتظرة بين اركان هذه العملية المشبوهة.
5. ان المقاومة العراقية تمتلك ميزة فريدة وهي انها جاءت كامتداد طبيعي للدولة العراقية الوطنية التي اغتالها الغزو والاحتلال المجرم، فهذه الميزة لها معاينها في اية عملية حساب لواقع العراق قبل وبعد الاحتلال فالفارق الزمني غير منقطع بين اسقاط الدولة العراقية وانطلاق المقاومة، فالعراقيون لم ينتظروا كثيراً لاعلان المقاومة، وكانوا مصرين على حرمان الاحتلال من تثبيت نفسه والامساك بالارض، كما حصل بالنسبة الى كثير من الشعوب التي خضعت للاحتلال حيث بدات المقاومة بعد سنوات، بعكس المقاومة العراقية التي بدات في اليوم التالي للاحتلال فرجال الجيش والحرس والقوات الخاصة والقوات الامنية ومقاتلوا الحزب وفدائيو صدام اضافة الى العديد من ابطال القوى الوطنية والاسلامية الاخرى، الذين تجمعوا جميعا في معركة رمزية قادها الرئيس الشهيد صدام حسين في منطقة الاعظمية يوم 11/4/2003 اعلنت بداية انطلاق المقاومة التي جعلت امريكا وعملاءها يترنحون من هول المفاجئة.
وعليه فان التعتيم والتغيب للمقاومة هي مجرد امنيات تداعب امخيلات لمحتل وعملائه امام الحقيقة الكبرى التي باتت تسد عيون الشمس كما يقال، وهي ان المقاومة قد قصمت ظهر امريكا وما زالت تبعثر جسدها المتهالك في العراق – وهي ماضية على طريق طرد المحتلين والاقتصاص من العملاء، وصنع العراق المحرر والديمقراطي وهذه المسئولية التاريخية والشرف الرفيع لا احد يمتلك حمله سوى هذه المقاومة باعتبارها الممثل الشرعي للشعب العراقي.
وغداً ترفرف رايات الحرية في سماء بغداد العروبة، ويعود العراق حراً عربياً موحداً ويؤمذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، الا ان نصر الله قريب.
والسلام