كثيرة هي الأزمات والسلبيات التي خلفها الاحتلال السافر الذي قادته الإدارة الأمريكية ضد العراق في آذار عام 2003 تحت أكاذيب وذرائع وحجج زائفة، لكن أبرز هذه السلبيات والمشكلات هو تشكيل الحكومات الفاشلة التي تعاقبت خلال السنوات التسع العجاف،
والتي كانت وما زالت تعد السبب الرئيس لتفاقم المآسي والويلات التي يشهدها هذا البلد الجريح وذلك لاهتمام المسؤولين فيها بتحقيق مصالحهم الشخصية وملء جيوبهم من السحت الحرام على حساب معاناة العراقيين الصابرين الذين يكابدون شظف العيش .
واأوضحت مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية ( foreign affairs ) في تقرير لها بعنوان ( العراق الذي تركناه وراءنا ) نشر مؤخرا انه بالرغم من مرور تسع سنوات على بدء الاحتلال الغاشم، ونحو اربعة اشهر على الانسحاب المزعوم للقوات الغازية، أصبح العراق في مقدمة الدول الفاشلة في العالم .. مؤكدة ان رئيس حكومة الاحتلال الخامسة ( نوري المالكي ) ما زال يترأس نظاما يستشري فيه الفساد المالي والاداري في جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية، وتسوده الوحشية نتيجة استخدام قادة الكتل والاحزاب المشاركة في العملية السياسية الحالية، الميليشيات المسلحة بهدف قمع كل من يعارض هذه العملية وتخويف عموم الناس، كما تستخدم القوانين التي فرضتها ادارة الاحتلال كوسيلة ضد الخصوم وإخفاء مساوئ الحلفاء .
وأشارت المجلة الى أن الحكومة الحالية التي يتشدق المسؤولون فيها وعلى رأسهم المالكي بالديمقراطية المستوردة والحرية المزيفة وحقوق الانسان المنتهكة ما زالت عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية الضرورية كالكهرباء والماء الصالح للشرب والرعاية الصحية وتوفير فرص العمل لجيش من العاطلين الذين وصلت نسبة البطالة بين صفوفهم ولا سيما الشباب الى اكثر من 30%، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة الفقر بين سكان العراق الى نحو 60 % .
وأكدت أن الأساليب التي ينتهجها نوري المالكي منذ توليه منصب رئاسة الحكومتين السابقة والحالية تعتمد مقولة ( نصب نفسك اولا وأحم السلطة بجهاز أمني لا يرحم ) كما قام المالكي بإضعاف الضمانات الديمقراطية واستخدام أجهزة مكافحة الفساد في إستهداف أعدائه السياسيين فضلا عن حكمه الإستبدادي واسلوب المحاباة، الأمر الذي قد يفضي الى نهاية سلطته ودفع العراق الى حرب أهلية مقيتة .. مشيرة الى إن الخطأ الأكبر والفادح الذي ارتكبته واشنطن تمثل بالدعم المباشر الذي قدمته الى المالكي، إعتقادا من المسؤولين الأمريكان بانه يمتلك المصداقية و الشرعية .
وقالت المجلة " إن قرار نوري المالكي باعتقال طارق الهاشمي بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق يعد إهمالا منه للمصالحة الوطنية و تقويضا للوعد الذي أطلقه أمام الرئيس الأمريكي ( باراك اوباما ) في واشنطن بشأن عراق ديمقراطي ومستقر ، كما يعكس تسخيره القانون والدولة لتحقيق طموحاته " .
وأعادت إلى الأذهان بأن رئيس الوزراء الحالي ما زال يستخدم السجون والمعتقلات السرية التي تشرف عليها القوات الامنية الحكومية المرتبطة به، وهناك أدلة قاطعة لدى الصليب الأحمر بوجود ثلاثة من هذه السجون في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، حيث يتعرض المعتقلون العراقيون فيها يوميا لشتى انواع التعذيب الجسدي والمعنوي والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان بهدف إنتزاع الإعترافات منهم، فضلا عن الممارسات التعسفية وسوء المعاملة التي ينتهجها عناصر القوات الامنية بما في ذلك الإغتصاب والصدمات الكهربائية على المناطق الحساسة من جسم المعتقل.
وخلصت المجلة الأمريكية ـ التي تعد من أهم المجلات السياسية في الولايات المتحدة وتتابعها النخبة السياسية والأكاديمية ـ الى القول يبدو ان نوري المالكي يواجه الان احتمال تفتت قاعدته الشعبية بإذكاء مخاوفهم من الأقلية السنية معولا على عدم مقاطعتهم له كي لا يخاطرون بهيمنة الشيعة على العملية السياسية في العراق " .. مشيرة الى ان المالكي استبدل رئيس ما تسمى هيئة النزاهة العامة ـ الذي استقال في ايلول الماضي بعد فقدانه الامل في القدرة على التحقيق مع كبار المسؤولين الفاسدين في الحكومة الحالية ـ بشخص آخر اقل خطورة على هذه الحكومة.
إن استمرار آفة الفساد المالي والاداري ولا سيما في الاجهزة الامنية الحكومية المختلفة التي نشأت وترعرعت في ظل الاحتلال البغيض اصبحت تمثل سرطانا ينخر في جسم العراق الذي يعاني اليوم من عمليات الابتزاز المختلفة، وثقافة الكسب غير المشروع التي باتت تشكل خطرا كبيرا على هذا البلد، حيث وصل الفساد خلال السنوات المنصرمة الى أعلى مستوياته، ويمكن ملاحظة ذلك في الميزانية العامة التي اعلنتها الحكومة الحالية، التي تجهل مصير مبلغ (25) مليار دولار تم تخصيصه للمحافظات والشركات التي تملكها هذه الحكومة.
يقين نت