عيسى سيار
على الرغم من أننا مقتنعون تماماً بل متفقون بأنه لا توجد عدالة مطلقة على الأرض بل هي في الأعلى بين يدي الخالق سبحانه وتعالى، فالإنسان مخلوق تسكنه مشاعر وأحاسيس الكره والحب وغيرها ولا يمكن أن يكون حاسوباً مبرمجاً، وقياساً على ذلك لن يكون عادلاً بالمطلق، إلا أن الشعوب ومنذ فجر التاريخ تتطلع إلى أن يتصف حكامها بالعدالة في الحكم بين الناس وتوزيع الثروات عليهم وتلبية حاجاتهم.
وهنا تحضرني مقولة رسول ملك الفرس كسرى عن سيدنا عمر (رضي الله عنه) في تحقيق العدالة بين المسلمين عندما أرسله لسيدنا عمر للتعرف على كيفية إدارة أمير المؤمنين شئون المسلمين، فلما سأل عن مكان وجود سيدنا عمر، توقع أن يكون جالساً في قصر كقصور ملوك الفرس، ولكن كانت المفاجأة عندما وجد سيدنا عمر نائماً تحت ظل شجرة، مفترشاً الأرض وملتحفاً السماء، فقال عنه رسول ملك الفرس المقولة الشهيرة «عدلت فأمنت فنمت ياعمر». والعبارة تتكلّم عن نفسها. فماذا يخشى سيدنا عمر بعدما حقق العدالة بين المسلمين؟ فهو يعلم ويؤمن رضي الله عنه بأنه سوف يحاسب عليها يوم الحساب حساباً شديداً.
ولأهمية العدل في إدارة شئون البلاد والعباد وإدراكاً من القيادة السياسية في البحرين لهذه الأهمية نصت المادة (4) من دستور 2002 على «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، والشعب البحريني لا يريد ولا يطمع في أكثر من تطبيق هذه المادة على أرض الواقع. فالعدل كما نصت المادة، هو أن يكون الشعب شريكاً حقيقياً في الحكم، أي في تشكيل السلطات الثلاث، كما نصت المادة الأولى الفقرة (د) من الدستور. والتساؤل المحوري والمشروع الذي نطرحه: ما مدى تحقيق مؤسسات الدولة للعدالة في إدارة شئون البلاد والعباد منذ أكثر من عقد من الزمان مستدلين على ذلك التطبيق بحقائق وأدلة مادية من الواقع.
على أرض الواقع نجد المواطن ليس له دور يذكر في تشكيل السلطات الثلاث، وحتى السلطة التشريعية التي يفترض أن تمثله وتكون رقيباً على السلطة التنفيذية، أصبحت بوضعها الحالي تلهث فقط وراء إرضاء الحكومة وكسب ودها ولا داعي بأن أذكر الجميع بوصف وزيرة الثقافة للنواب! وموقفهم المتفرج والمشين على الفساد والمتلاعبين بالمال العام! وموقفهم الأخير والمترنح من رفض الحكومة زيادة المواطنين، وقد قرّرت كما قرّر الشعب البحريني أن يغسل يده «بكلوركس» من هكذا مجلس لا يعبّر نوابه إلا عن أنفسهم، وهذه هي الحقيقة المرة. وهنا نقول للسلطات الثلاث: أتعلمون لماذا نام سيدنا عمر مطمئناً تحت ظل شجرة دون حرس شخصي أو حجاب أو حاشية…؟ أنا متأكدٌ بأنكم تعرفون الإجابة… ولكن!
نعرج أولاً على هم كبير من هموم المواطن في ظل غياب واضح للعدالة في توزيع الثروات، وهو تدنّي مستوى الرواتب يقابله ارتفاع غير مبرّر في الأسعار، ما تسبب بارتفاع نسبة التضخم وبالتالي ضعف القدرة الشرائية للعملة، وأدى في المحصلة النهائية إلى اضمحلال الطبقة المتوسطة وزيادة أعداد الأسر محدودة الدخل -والتي أسميها بالفقيرة حسب التعريف الاقتصادي للفقر- التي تحصل على دعم بشكل أو بآخر من وزارة التنمية الاجتماعية، من عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف أسرة، أي أكثر من ستين ألف مواطن. هذه فقط الأسر المسجلة في سجلات الوزارة، وهناك عددٌ آخر من الأسر ينتظر دوره على قائمة الانتظار! فأين العدالة من هكذا وضع؟
ففي ظل الاستيلاء غير المشروع على المال العام أو التلاعب به وهدره كما أثبتته تقارير ديوان الرقابة التسعة العتيدة دون محاسبة وعقاب للمسئولين الفاسدين! بينما يتعرض المواطن المعوز للذل والهوان في طريقة استلام المساعدات، ويتضرّع لربه ليل نهار بأن لا توقف عنه لأي سبب حتى لا تتوقف حياته! وهو أمر متوقع في أي وقت في بلد تقوم سياساته على ردة الفعل.
ومن هنا نطالب الحكومة وليس السلطة التشريعية لأن عليها العوض بأن يكون لديها تشريعات وسياسات واضحة وثابتة لرفع مستوى معيشة المواطن من خلال الراتب المجزي والتسهيلات المالية والحوافز التي تحفظ له كرامته، حالنا حال جيراننا.
بالله عليكم ماذا يفعل المواطن، الأب أو الأم براتب لا يتجاوز المئتين وخمسين ديناراً؟ أليست هذه الأسر تعتبر تحت مستوى خط الفقر إذا ما قارنا راتبهم بارتفاع المستوى المعيشي؟ هل تريدونه أن يأكل طول الشهر «خبز ونخي أو سنبوسه وجباتي أو شوارمه»! تريدونه أن يسكت ويصبر ويرى أمواله يستولي عليها من غير وجه حق أو يتلاعب بها أو تهدر في أوجه ليست بذات أهمية! وهنا أستحضر القول المأثور للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه): «إني لأعجب من رجل لا يجد قوته أو قوت عياله ولا يخرج شاهراً سيفه». ومن هنا نكرّر تحذيرنا من غضب الشعوب عندما يضربها الفقر في مقتل.
أين العدالة في استفادة المواطن من المشاريع الإسكانية، فالكثير من المواطنين انتظروا لأكثر من عشرين سنة للحصول علي بيت أو قرض أو أرض، تزوج خلالها أبناؤهم بينما توزع الأراضي بالكيلومترات وليس بالأمتار على عدد محدود من المتنفذين من هم ليسوا بحاجةٍ إليها، فيبيعونها ويتربحون من ورائها. والعجب العجاب إنهم يحصلون عليها (ببلاش) ويبيعونها بعد ذلك على المواطنين، أي أراضيهم تباع عليهم! بينما بعض الأسر البحرينية يصل عددها في البيت إلى 15 فرداً، فهل هذا العدل الذي ورد في نص المادة الرابعة من الدستور!
أين العدالة في تعاطي وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي مع ملف مدخلات ومخرجات التعليم الأساسي والعالي في ظل معايير ومستويات ضمان الجودة؟ فهل من العدالة أن تبقي قيادات وزارة التربية العليا دون تغيير وقد وصل نسبة المدارس التي حصلت على تقرير «غير مرض» إلى 25% بعد ثمان سنوات من تطبيق المشروع الوطني لإصلاح التعليم والتدريب؟ وهل تجيز العدالة للوزير أن يمدّد الدوام المدرسي دون الرجوع إلى استفتاء الفئة المستهدفة، وهم أبناؤنا الطلبة وأولياء أمورهم الذين لازالوا يعانون من هذا التمديد غير المبرر، بعد أن وضع اللجنة البرلمانية تحت «بشته» كما قال النواب!
هل من الإصلاح والعدالة والشفافية والنزاهة التي نصت عليها المادة الرابعة أن يرأس الوزير ثلاث مؤسسات تدير ثلاث قطاعات حيوية في البلد، وهي وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي وجامعة البحرين؟ بالله عليكم هل من العدالة والنزاهة والإصلاح بمكان أن يراقب ويحاسب الوزير نفسه؟ ما قلت لكم سابقا (إحنه في بلد ما في البلد إلا هالولد)! ألم يقل الوزير في مقابلة تلفزيونية العام 2010 بأنه في معركة ضد الجامعات الخاصة التي تزوّر الشهادات؟ وأنا أسأله سؤالاً برغبة لأن نوابنا لا يجرأون على ذلك، إعطنا شهادة واحدة من أصل أكثر من 360 شهادة قمت بتحويلها للنيابة منذ حوالي ثلاث سنوات وحكم فيها القضاء بأنه مزوّرة؟
إن ما ذكرناه هو غيض من فيض حول غياب العدالة، وعلى الرغم من تحفظنا على العديد من المواد الواردة في دستور 2002 إلا انه لو طبقت المواد المتعلقة بحقوق المواطن وعلى رأسها المادتين الأولى والرابعة تطبيقاً أميناً، لما أصبحنا في هذا الوضع الذي لا يعلم إلا الله إلي أين يتجه! ولما احتجنا إلي حوار 1 وحوار 2 وربما نشهد حوار 3 والذي ربما سيكون في جزيرة حوار…! فمن يرفع الشراع؟