لم يحدث من قبل أن تعلقت آمال العالم بزعيم، مثلما تتعلق اليوم بالرئيس الامريكي أوباما
في كل قارات العالم، وعلى نحو ما تظهره الكثير من استطلاعات الرأي العام التي اجريت في الفترة القليلة الماضية، وما ينشر ويقال عبر اجهزة الاعلام المختلفة، تعلق الشعوب، والحكومات ايضا، آمالها على اوباما، في حل الازمات والمشاكل، وفي بدء عهد جديد في العالم كله.
هذه ظاهرة عالمية تبدو غريبة لأول وهلة، لكن تفسيرها معروف على اية حال، وقد كتب عن هذا الكثير. هي في جانب منها تجسيد لعمق الازمات التي يغرق فيها العالم، والفوضى العالمية التي تسبب فيها جورج بوش في عهده الأسود.
وهي في جانب آخر منها تتعلق بشخص اوباما نفسه. فالعالم ينظر اليه، بحكم نشأته وتكوينه وانتماءاته، على انه "مواطن عالمي" بمعنى من المعاني. فكثير من شعوب العالم تعتبر أن اوباما ينتمي اليها بشكل ما.
وهذه الظاهرة في جانب اساسي منها تعبير عن اقرار عالمي بالدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في تقرير الشئون العالمية، وفي تحديد مصير العالم، إن بالسلب او بالإيجاب.
وعلى اية حال، فإن اوباما في خطاب التنصيب الذي ألقاه، لم يخيب ظن العالم من حيث المبدأ على الأقل.
الخطاب قبل كل شيء اتسم بنزعة انسانية عامة، وتعبير عن الاحترام لكل الثقافات والديانات والانتماءات، سواء في المجتمع الأمريكي او في العالم عموما. هذا بالضبط هو ما افتقده الخطاب الأمريكي في عهد بوش، الذي قام على الترويج لأبشع النوازع والمواقف والسياسات العنصرية.
والخطاب انطوى في جوهره، وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي من مختلف القضايا والأوضاع العالمية، على نقد حاد لحقبة بوش ومواقفها وسياساتها الخارجية.
والأهم من هذا، ان الخطاب، طرح الأسس العامة للنهج الأمريكي الجديد في عهد اوباما في التعامل مع القضايا العالمية. هذه الأسس التي لخصها قول اوباما: ".. قوتنا وحدها لا تستطيع ان تحمينا، ولا هي تخولنا ان نعمل ما نريد". وتمثلت هذه الاسس ايضا في وعده ببدء عهد جديد من التفاهم والتعاون مع دول العالم. كما تمثلت في حديثه عن طريق جديد سوف يتبعه مع العالم الاسلامي قائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
هذه الأسس العامة التي طرحها اوباما في خطابه، تعنى مبدئيا تبشيرا بمناخ جديد يمكن ان يسود العالم. مناخ لا يعلو فيه صوت الكراهية العنصرية القبيح في الخطاب الرسمي الأمريكي. مناخ لا يشهد مغامرات عسكرية أمريكية مجنونة، والتهديد الدائم بالقوة الباطشة. مناخ تسود فيه الرغبة الجادة لتسوية الأزمات والمشاكل العالمية بالطرق السلمية، وعبر جهود عالمية جماعية.
هذا هو الذي يبشر به عهد اوباما من حيث المبدأ، وبشكل نظري فقط حتى الآن.
أما من حيث التطبيق العملي لهذه الأسس التي طرحها اوباما، فان العالم ينتظر بطبيعة الحال، ترجمتها في شكل مواقف وسياسات امريكية، وفي شكل دور امريكي جديد إزاء المشاكل والأزمات العالمية.
هذا بالنسبة الى العالم عموما، وما ينتظره من أوباما.
أما بالنسبة إلينا في الوطن العربي وقضايانا، وما لنا ان نتوقعه، فإن الأمر يستحق نظرة أخرى.