عبد الاله بلقزيز
ينال من “الثورة”، حيث نجحت، مآلاتها التي انتهت إليها . وينال منها اليوم، وحيث لم تنجح بعد، أخطاؤها التي ترتكب، فترتب عليها التبعات الكبرى، وأولها الفشل في إنجاز ما أنجزته ثورات تونس ومصر واليمن: على تواضع ما حققته من نتائج حتى الآن .
ولعل أكثر ما يخدش في صورة الانتفاضات، التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة، وربما يمنعها من الانتقال الحاسم نحو حسم الصراع لصالحها، ظواهر ثلاث متلازمة: انقسام المعارضات، عسكرة الانتفاضة، الاستنجاد بالأجنبي وطلب التدخل .
ليس في وسع حركة احتجاجية كسب معركتها السياسية الداخلية، كلاً أو بعضاً، من دون وحدة قواها على برنامج عمل مشترك، وقيادة مشتركة، ومن دون الاتفاق على موقف موحد، وأساليب عمل موحدة . والوحدة السياسية والتنظيمية، هذه، تفيد المعارضة سواء في مواجهة النظام، وصولاً إلى تغييره، أم في مفاوضته، وصولاً إلى تسوية سياسية تأخذ مطالبها في الحسبان . وأقصر طريق إلى تجريد انتفاضة ما من موارد قوتها، وإطالة أمد معركتها من أجل تحصيل مطالبها، وربما إدخالها في نفق مسدود، هو حرمانها من غطائها السياسي الموحد، والتنازع على تمثيلها بين من يتحدثون باسمها، أو يقدمون أنفسهم بما هم متحدثون باسمها . إن هذه الحال من انقسام المعارضات هو ما يسيطر، اليوم، في مشهد ما تبقى من انتفاضات موروثة عن حقبة “الربيع العربي” . وهي سبب رئيس، من أسباب أخرى كثيرة، في مراوحة عملية التغيير مكانها لما يزيد على عام . وليس في الأفق القريب والمنظور ما ينبئ بإمكان زوال هذه الحال من انقسام المعارضات، بسبب ما بينها من تباينات جذرية في الخيارات والمواقف . والامتناع هذا، إن حصل، سينهي حالة الانتفاضة وإن لم ينه – أو لن ينهي – أزمة قد تستمر في التنفيس عن نفسها في عنف مسلح متبادل
عسكرة الانتفاضة وجه ثان لأزمتها، وللحكم على مسيرتها بالتعثر، وهي – أيضاً – مما يخدش صورتها ليس لدى الرأي العام العربي والعالمي، الذي شاهد انتفاضات سلمية نظيفة في تونس ومصر واليمن، فحسب، بل – أيضاً – في الداخل، حيث الشعب لا يجد فيها نفسه . اللجوء إلى السلاح يفقد الشعب والانتفاضة أثمن رأسمال يملكانه: رأسمال الالتفاف الشعبي المدني العريض على المطالب الديمقراطية . حين يبدأ السلاح – تحت وطأة انسداد أفق أو ميل إلى المغامرة باسم الراديكالية أو بتعلة الدفاع الذاتي – ينفض الشعب، ويخرج المدنيون من المشهد، ويتوقف مئات الآلاف من الفاعلين عن المشاركة في صناعة مصيرهم، ليقوم بضع مئات أو آلاف من المسلحين بالنيابة عنهم . يتبرع سلاح المعارضة، وهو رمزي، للنظام بشرعية استعمال القوة العمياء لسحق التمرد المسلح، وتهميش مطالب الانتفاضة . هل يحصل، اليوم، غير هذا؟
أما أسوأ ما ينال من صورة انتفاضة أو معارضة أن تجد نفسها، في لحظة عجز ويأس، تنسى وطنيتها واستقلال وطنها، وتستنجد بالأجنبي متوسلة سلاحه ينوب عنها في تغيير نظام امتنع عليها . غالباً ما يقع ذلك حين تنزلق إلى السلاح، فتكتشف أنها اختارت أن تتلقى أكبر الخسارة، ووقعت في الفخ الذي لا مخرج لها منه سوى بالاستسلام أو بالاستنجاد . وهي، في العادة، لا تسأل نفسها من أوقعها في فخ المواجهة العسكرية حتى تطلب لنفسها نجدة تقايض بها على وطنيتها، لكن المحترفين فيها يعرفون أنهم ذهبوا إلى الفخ وهم يعرفون، فلسان حالهم يقول دائماً: أنا مستعد للتحالف مع الشيطان ضد النظام . وهكذا يمكن أن يكون الاحتلال، في هذه الحال، أهون من الاستبداد . وما هم ثمن التدخل الأجنبي المسلح على الوطن، والشعب، والسيادة، مادام سيأتي بسلطة ولو على أنقاض . شهدنا سابقتين عربيتين لهذا الاستنجاد بالأجنبي ودماره . ومازال هناك من يبتغي مزيداً .
دار الخليج:الاثنين ,23/04/2012