منذ أشهر، وتحديدا منذ مجيء ادارة الرئيس الامريكي اوباما الى السلطة، ونحن نسمع ونتابع احاديث كثيرة، وسط موجة من التفاؤل والأمل العربي، عن الجهود التي تعتزم الولايات المتحدة بذلها للتوصل الى تسوية شاملة للصراع العربي الاسرائيلي.
وقيل لنا انه ما علينا إلا أن ننتظر حتى تدرس ادارة اوباما الملف برمته، وتستكشف امكانيات السلام، ثم انها بعد ذلك سوف تطرح مبادرة جدية وعادلة وشاملة لتسوية الصراع.
لكننا سرعان ما اكتشفنا انه لا داعي للانتظار. سرعان ما اكتشفنا اننا ازاء مخطط او بالاحرى صفقة امريكية اسرائيلية على حساب العرب وعلى حساب حقوقهم وقضاياهم.
وهدف هذا الحديث هو بالاساس عرض الابعاد
والملامح العامة لهذه الصفقة التي ليست سرا اصلا، بل هي معلنة ومعروفة.
} } }
التفاؤل.. ابتداء
ليس جديدا القول انه حين اتى باراك اوباما الى الحكم في امريكا، انطلقت موجة من التفاؤل والآمال المعلقة على دور امريكي جديد وفاعل واكثر توازنا وانصافا فيما يتعلق بقضية الصراع العربي الاسرائيلي.
بالطبع، كان هذا التفاؤل مبنيا ابتداء، وقبل كل شيء على شخصية اوباما نفسه، وبما تعهد به من اتباع نهج جديد في التعامل مع القضايا العالمية عموما.
لكن بالاضافة الى هذا العامل، طرأت تطورات ثلاثة تم اعتبارها ايضا مدعاة للتفاؤل وتعزيزا للآمال المعلقة على الدور الامريكي في الصراع.
أولا: مسارعة اوباما بتعيين جورج ميتشيل مبعوثا خاصا للتعامل مع الصراع العربي الفلسطيني، وشروع ميتشيل بالفعل بالقيام بعدة جولات في المنطقة، وادلائه بتصريحات تمت اعتبارها بوجه عام مقبولة، او على الاقل ليست استفزازية.
وقد تم النظر الى هذه الخطوة باعتبارها مؤشرا مهما للأولوية التي تعطيها ادارة اوباما لتسوية الصراع. وقد اكد المسئولون الامريكيون في تصريحاتهم على هذه الاولوية بالفعل.
ثانيا: الموقف الامريكي من قضية تجميد الاستيطان، وما اثير حوله من ضجة، وما بدا خصوصا من موقف امريكي حازم في مطالبته بالتجميد الكامل للاستيطان في مواجهة الموقف الاسرائيلي.
وايضا، الموقف الامريكي من قضية حل الدولتين في مواجهة موقف نتنياهو وحكومته الرافض لهذا الحل.
واجمالا، تم، سياسيا واعلاميا، تصوير الموقف الامريكي بخصوص الاستيطان وبخصوص حل الدولتين على اعتبار انه يمثل تحولا ايجابيا هائلا في الموقف الامريكي من الصراع. بل وذهب البعض الى حد اطلاق التكهنات حول استعداد ادارة اوباما لممارسة ضغوط على اسرائيل لاجبارها على قبول هذا الموقف.
ثالثا: ما تم الاعلان عنه من ان ادارة اوباما بصدد اعداد مبادرة شاملة لتسوية الصراع محددة المعالم وواضحة الخطوات، سوف تعلنها في الفترة القادمة.
وبالطبع، فهم من هذا ايضا اننا بصدد اصرار امريكي على تسوية الصراع تسوية شاملة وعلى كل الجبهات، وفهم ايضا ان هذه التسوية سوف تاتي بالضرورة منصفة ومتوازنة.
اذن، هذه العوامل مجتمعة كانت وراء التفاؤل العربي العام بالدور الذي سوف تلعبه ادارة أوباما لتسوية الصراع.
بل انه حتى الذين ابدوا شكوكا وطالبوا بالتريث قبل اطلاق العنان للتفاؤل، اعتبروا من الانصاف الانتظار واعطاء ادارة اوباما الفرصة كاملة لتصيغ تصوراتها وتحدد معالم تحركها ودورها.
لكن في غضون ذلك، وبالاخص في خلال الاسابيع القليلة الماضية، سرعان ما اتضح كما قلت انه لا داعي للانتظار.. لا داعي لانتظار معرفة تفاصيل الرؤية الامريكية، والخطة الامريكية فيما يتعلق بالصراع.. سرعان ما اتضحت ابعاد ومعالم هذه الرؤية وهذه الخطة.
بعبارة ادق، سرعان ما اكتشفنا اننا ازاء خطة امريكية اسرائيلية متكاملة واضحة المعالم.
} } }
هذه هي الصفقة
في الفترة الماضية، كنا نتابع اشارات مختلفة من هنا وهناك حول نوع الخطة التي تفكر فيها امريكا فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي، وما تطلبه من العرب والاسرائيليين. نعني اشارات من قبيل ما قاله اوباما في خطابه الشهير في جامعة القاهرة عن اعتبار المبادرة العربية للسلام مجرد بداية، ومن قبيل احاديث متفرقة عن مطالبة الدول العربية باجراءات تطبيعية مع اسرائيل، ومن قبيل احاديث عامة عن مؤتمر دولي جديد للسلام وهكذا.
لكن هذه الاشارات لم تكن لتعطينا صورة واضحة كاملة لما تفكر فيه الادارة الامريكية بالضبط.
وكما قلت، هذه الصورة سرعان ما اصبحت واضحة.
وقد تطور الأمر على النحو التالي:
** كانت صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية، وبناء كما ذكرت على معلومات موثوقة من مصادر سياسية، هي اول من كشف تفاصيل وابعادا محددة لما ذكرت انه صفقة امريكية اسرائيلية يجري الاتفاق عليها.
وملامح هذه الصفقة، كما ذكرتها الصحيفة تتلخص فيما يلي:
1- في مرحلة اولى، تعلن اسرائيل قبولها تجميد الاستيطان لفترة محددة، هي في الغالب ستة اشهر. وفي الوقت نفسه تعطي الولايات المتحدة لاسرائيل الضوء الاخضر لاستكمال البناء في المستوطنات القائمة.
هذا الاتفاق من شأنه، بحسب الصحيفة، ان يعطي ادارة اوباما المجال لأن تعلن انها نجحت في الحصول على موافقة اسرائيل على تجميد الاستيطان. وفي الوقت نفسه، يعطي المجال لنتنياهو لأن يعلن انه نجح في اصراره على رفض التجميد الكامل للاستيطان.
2- في نفس الوقت، يستمر المبعوث الامريكي ميتشيل، ومسئولو الادارة الامريكية عموما، في جهودهم للحصول على موافقة الدول العربية على تطبيع العلاقات مع اسرائيل. وعلى الاقل، الحصول على موافقة بعض الدول العربية على التطبيع في هذه المرحلة.
3- الخطوة التالية تتمثل في دعوة الادارة الامريكية الى عقد مؤتمر دولي للسلام. يكون الهدف من المؤتمر هو تحديد خطوات لدفع العملية الدبلوماسية. بعبارة اخرى، يكون الهدف من المؤتمر هو التوافق على نسخة معدلة من "خريطة الطريق".
وفي هذه المرحلة، أي في اطار هذا المؤتمر، يطلب من الدول العربية الانخراط الفوري في التطبيع الكامل مع اسرائيل، وعدم الانتظار الى نهاية العملية والوصول الى تسوية على نحو ما تنص المبادرة العربية للسلام.
** على الرغم من ان مسئولين امريكيين في اعقاب نشر هذه المعلومات نفوا ان تكون هناك صفقة امريكية اسرائيلية على هذا النحو الذي ذكرته "جيروزاليم بوست"، فإن تطورا آخر جاء ليؤكدها.
هذا التطور تمثل في الاجتماع الذي عقده وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك مع المبعوث الامريكي ميتشيل في امريكا، واستمر اكثر من اربع ساعات.
كان ملفتا بداية ان البيان الذي صدر عن الاجتماع، تضمن النص على "ان خطوات الدول العربية نحو التطبيع مع اسرائيل ونشاط الاستيطان كانا من الموضوعات التي نوقشت".
لكن باراك، ذكر في تصريحاته المعلنة التي نقلتها وكالات الانباء بعض تفاصيل اكثر تحديدا عما جرى في اجتماعه مع ميتشيل. قال: "ان اسرائيل تفكر في فترة توقف محدودة في اعمال البناء الجديدة في المستوطنات على ان تكون هذه الخطوة مرتبطة بجهود امريكية تضم الدول العربية في عملية سلام موسعة".
وقال ايضا: "لقد ركزنا بشكل رئيسي على الحاجة الى اتفاقية اقليمية شاملة تتضمن دولا عربية اخرى لديها شيء تمنحه لإسرائيل وليس فقط شيء تأخذه منها".
كما نرى من التفاصيل القليلة التي ذكرها باراك عن الاجتماع المطول الذي عقده مع ميتشيل ان ما دار انما يؤكد صحة المعلومات التي نشرتها الصحيفة الاسرائيلية عن الصفقة التي يجري الحديث بشأنها بين امريكا واسرائيل.
** في الوقت نفسه، فإن مصادر دلوماسية غربية على معرفة فيما هو واضح بتفاصيل ما يجري وما يتم التداول بشأنه بين امريكا واسرائيل، ذكرت تفاصيل عن نقطة محددة هي خطوات التطبيع التي يريدون من الدول العربية الاقدام عليها.
هذه الخطوات تتمثل تحديدا في خمسة هي:
1- ان تسمح الدول العربية للطائرات المدنية الاسرائيلية بالمرور في مجالها الجوي.
2- ان تفتح الدول العربية اقساما لرعاية المصالح التجارية الاسرائيلية.
3- ان تتخذ الدول العربية اجراءات لتعزيز التجارة والسياحة مع اسرائيل. اجراءات مثل، انهاء اعاقة الهواتف الخلوية المسجلة في اسرائيل على الشبكات العربية. ورفع الحظر على دخول السياح ورجال الاعمال الذين تحمل جوازات سفرهم تأشيرات اسرائيلية.
4- عقد اجتماعات مباشرة بين كبار المسئولين العرب والاسرائيليين.
5- ان تقدم الدول العربية على اجراءات تبادل مع اسرائيل في المجال الثقافي.
وكما نرى، فان المطلوب من الدول العربية هو التطبيع الكامل مع العدو الاسرائيلي.
** ثم جاءت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في الخطاب الذي القته منذ يومين في مجلس العلاقات الخارجية الامريكية ، لتقطع الشك باليقين كما يقال. بعبارة اخرى، جاء ما قالته ليؤكد ان كل هذه المعلومات التي اشرنا اليه التي تتحدث عن صفقة امريكية اسرائيلية يتم فرضها على العرب، هي معلومات صحيحة. ليس هذا فحسب، بل ان ما قالته يكشف عن ان الصورة هي اسوأ مما تتحدث عنه هذه المصادر والمعلومات.
كلينتون قالت في خطابها باختصار ان الدول العربية مطالبة بأن تبادر "الآن" باتخاذ اجراءات ملموسة باتجاه تطبيع علاقاتها مع اسرائيل. وقالت ايضا ان على الدول العربية "اعداد الرأي العام لديها لتقبل السلام وتقبل مكانة اسرائيل في المنطقة".
في نفس الوقت، قالت كلينتون "اننا نتوقع اعمالا من جانب اسرائيل لكننا نقر بأن هذه القرارات صعبة سياسيا".
ما معنى هذا الكلام؟
معناه صريح ومباشر ان الدول العربية مطالبة بتطبيع العلاقات مع اسرائيل فورا، ومن دون ان تنظر أي شيء بالمقابل من جانب اسرائيل او امريكا. ومن الملاحظ، تأكيدا لهذا المعنى، ان كليتنون لم تشر في خطابها حتى الى قضية تجميد الاستيطان.
في الوقت نفسه، فهي تعتبر ان اسرائيل لديها العذر في الا تقدم على أي خطوة والا تفعل أي شيء على الاطلاق على اعتبار ان هذه "قرارات صعبة سياسيا".
} } }
ما الذي يعنيه هذا؟
بناء على ما ذكرناه عن ملامح وابعاد الصفقة الامريكية الاسرائيلية التي يناقشونها، فإن المخطط بسيط وواضح المعالم.
مطلوب من الدول العربية ببساطة كما قلنا ان تبادر بالتطبيع الكامل مع اسرائيل دون ان تنتظر أي شيء بالمقابل ومن دون مطالبة اسرائيل بشيء.
وبعد ذلك قد تتفضل اسرائيل او لا تتفضل باعلان تجميد الاستيطان الجديد مع الاستمرار في توسيع المستوطنات لفترة محددة.
وبعد ذلك قد يعقد مؤتمر للسلام او تطرح ادارة اوباما خطة لن تتعدى كونها "خريطة طريق" تعيسة اخرى.
طبعا لسنا بحاجة الى القول الى انه وفقا لهذا التصور، سيكون على الدول العربية اعلان التخلي نهائيا عن مبادرة السلام العربية بكل بنودها. وهذا المخطط برمته مبني كما نرى على ان هذه المبادرة لا وجود لها في عرف امريكا واسرائيل.
ما الذي يعنيه هذا كله؟.. ما الذي يعنيه ان يكون هذا هو ما تفكر فيه ادارة اوباما وما تطالب به، وان تكون هذه هي ابعاد وملامح الصفقة التي يناقشونها مع الاسرائيليين؟
بداية لنلاحظ ان الامريكيين والاسرائيليين يتعاملون مع الدول العربية كما لو انها غير موجودة اصلا، او بمعنى ادق كما لو انها ليست طرفا يعتد برأيه او موقفه، فما عليها سوى ان تؤمر بما عليها عمله فتطيع فورا.
وكما رأينا، فان هيلاري كلينتون تخاطب الدول العربية بلغة الآمر الناهي، وتأمرها بالتطبيع مع اسرائيل "الآن" وليس غدا.
وتأكيدا لهذا المعنى، نلاحظ ان كل ما جرى الحديث عنه من خطط على نحو ما اشرنا يتم في اطار نقاشات او اتفاقات امريكية اسرائيلية وحسب من دون أي اشارة حتى الى استطلاع رأي الدول العربية، التي عليها وفقا لهذا النهج ان تنتظر فقط ما سيتفقون عليه في واشنطون وتل ابيب، ثم ينفذونه بعد ذلك.
حقيقة الامر ان ما تطلبه ادارة اوباما من الدول العربية على النحو الذي عبرت عنه كلينتون هو في جوهره اعلان الاستسلام الصريح واللامشروط لاسرائيل.
ولا اظن اننا بحاجة الى القول بأن التفكير والتخطيط على هذا النحو هو عملية تآمر امريكية اسرائيلية كبرى على العرب وعلى كل الحقوق العربية.
هم يتعاملون مع الفلسطينيين والعرب ليس كاصحاب حقوق اغتصبها عدو مجرم غاصب، وانما كما لو كانوا هم المجرمين المعتدين المدانين الذين يجب ان يقدموا التنازلات.
وهذا الذي يخططون له ويطالبون به هو اكبر عملية تشويه للقضية الفلسطينية. هم يصورون تجميد الاستيطان، ان حدث، كما لو كان هو اقصى آمال العرب واقصى ما يجب ان يتطلعوا اليه وان يقدموا في سبيله كل التنازلات المطلوبة. هذا مع ان تجميد الاستيطان هو خطوة تافهة ، فالمطلب في أي تسوية هو ان كل هذه المستوطنات يجب ان تزال نهائيا.
واذا كانوا يصورون مسألة تجميد الاستيطان على هذا النحو، فمن البديهي انه حين يأتي الاوان للحديث عن قضايا التسوية النهائية لن يكون للمطالب العربية أي موضع. أي لا عودة للاجئين ولا حديث عن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ولا دولة فلسطينية اساسا وهكذا.
} } }
وماذا عن الموقف العربي؟
ماذا عن موقف الدول العربية من كل هذا؟
بداية، من المفهوم انهم في امريكا وفي اسرائيل ما كانوا ليفكروا ويخططوا على هذا النحو، لولا رهانهم على حالة الضعف والعجز التي تظهرها الحكومات العربية.
ما كان لهم ان يفكروا ويخططوا على هذا النحو لولا ان الدول العربية لا تظهر أي ارادة في المواجهة وفي الدفاع عن الحقوق العربية.. لولا انها لا تظهر الا الاستعداد للتنازل تلو التنازل في كل الاحوال والظروف.
ويبقى التساؤل مطروحا: ماذا عن موقف الدول العربية من هذا الذي يجري التخطيط له امريكيا واسرائيليا والذي اصبح معلنا ومعروفا؟
بداية، كما نلاحظ فان هناك صمتا عربيا قاتلا عن كل ما يذاع وما يقال وما ينشر. لم يخرج مسئول عربي واحد ليقول لنا، ما هو الصحيح وما هو غير الصحيح فيما يقال وينشر، ولم نسمع رفضا او ادانة او قبولا صريحا بأي من هذه المخططات التي باتت معلومة.
حين خرجت هيلاري كلينتون مثلا بهذه الاهانة للدول العربية وهي تأمرها بأن تطبع العلاقات مع اسرائيل فورا والآن، لم يخرج مسئول من أي بلد عربي كي يقول ان هذا مرفوض. ولسنا نعرف كيف تقبل حكوماتنا مثل هذه الاهانة؟
هل يعني هذا ان الدول العربية هي في حقيقة الامر قابلة بهذا المخطط، او مستعدة للمشاركة فيه؟
نحن بالطبع لا نعلم، فليس هناك موقف رسمي عربي معلن بهذا الشأن كما نقول.
لكن في نفس الوقت، هناك مؤشرات كثيرة لا تدعو للاطمئنان ابدا الى الموقف العربي منها ما هو معلن ومنها ما هو غير معلن وتتردد اخباره بين الحين والآخر.
من المؤشرات المعلنة مثلا ما حدث عندما اجتمع وزراء الخارجية العرب مؤخرا في القاهرة، وأصدروا بيانا عاما غامضا يتحدثون فيه عن الترحيب بالتوجهات الجديدة لادارة اوباما وضرورة تشجيعها من دون ان نعرف ما الذي يعنيه هذا التشجيع بالضبط.
ومنها مثلا ما نلاحظه من تحول في الخطاب الرسمي العربي من قضايا جوهرية. على سبيل المثال، لم تعد الدول العربية تتحدث عن عودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرارات الدولية وانما اصبحت تتحدث عن "حل مشكلة اللاجئين". وهذا تحول ضخم كما لا يخفى.
اما عن المؤشرات غير المعلنة، فنعني بها تلك الاخبار التي اصبحنا نسمعها ونقرأها بين الحين والآخر عن لقاءات سرية بين مسئولين عرب لا تقيم دولهم علاقات مع اسرائيل، وعن انخراط دول عربية في هذا المخطط برمته بهدف تكوين تحالفات في مواجهة ايران او ايا كان.. وهكذا.
وعلى وجه العموم، الموقف الرسمي العربي برمته لا يطمئن، وعلى الاقل هو لا يشير الى ان هناك رفضا لهذا المخطط.
} } }
هذا باختصار هو ما نواجهه اليوم فيما يتعلق بقضيتنا المركزية، قضية صراعنا مع العدو الاسرائيلي.
ولم اجد ما يمكن ان يوصف به هذا المخطط، وما يبدو انه رضا عربي به، افضل مما قاله ناشط فلسطيني رئيس احدى المنظمات غير الحكومية في الضفة. الكاتب جوناثان كوك نقل في احد مقالاته مؤخرا عن هذا الناشط قوله: "ان قادتنا يستعدون لاعلان الانتصار.. انه انتصار الهزيمة".
قال هذا عن القادة الفلسطينيين في سياق معين. لكن هذه المقولة تنطبق بالضبط على حال قادتنا العرب ان هم انخرطوا في هذا المخطط، وحاولوا تسويقه على انه "انتصار" وانه بداية الطريق الى التسوية.. سيكون هذا هو "انتصار الهزيمة".
لكن الهزيمة لا يمكن ان تكون انتصارا.. الاستسلام لا يمكن ان يكون مرونة أو عقلانية أو حكمة.