مسألة الهولوكوست النازية في أوروبا ومسرحية اللاسامية التي تعرض بمليون وجه، يجب أن تصبحا من بين اهتمامات العرب والمسلمين وأن لا تتركا في الساحات الغربية لإبتزاز الضمير الأوروبي المثقل بتاريخ إرتكاب الجرائم والخطايا ثم الشعور بالندم المذل، ولخداع الإنسان الغربي بقصص الأساطير والمبالغات ودموع التماسيح.
هذا الموضوع يهمنا إلى أبعد الحدود لأننا نكتوي بناره، إذ تقابله وتتفوق عليه ممارسة الهولوكوست الصهيوني في أرض فلسطين المحتلة وكذلك ممارسة اللاسامية الصهيونية في حق العرب والمسلمين أينما وجدوا. ذلك أن العالم كله، وبالأخص الأوروبي والأمريكي منه، يجب أن يعرف ويقتنع بأن ضحايا الظاهرتين من يهود الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي أصبحوا جزءاً من التاريخ. أما أبناؤهم وأحفادهم فأنهم لا يحق لهم أن يتحدثوا بانتهازية ووقاحة ضمير عن ظاهرتين تاريخيتين بشعتين وهم الذين يمارسونهما يومياً، وبصور أكثر همجية وإرهابية، في فلسطين المحتلة وفي كل الأرض العربية والإسلامية. إن المجرم لا يحق له التحدث عن أو باسم ضحايا إجرام الآخرين.
مناسبة الحديث عن هذا الموضوع هو قرار احدى المحاكم الألمانية بتغريم كاهن ألماني ثلاثين ألف دولار لأنه أنكر ظاهرة الهولوكوست في احدى المحطات التلفزيونية، مما يعيد طرح مسألة الأخطبوط المالي والإعلامي الصهيوني الذي نجح بامتياز في إبتزاز ضمير المجتمعات الغربية وإدخالها في جهنم سلسلة مشاعر الندم الخوف الاستجداء المذل ووصل الأمر إلى أن تصبح ظاهرتا الهولوكوست واللاسامية قضية مقدسة تعلو فوق حقوق حريات الرأي والاختلاف والشك والتعبير وطرح الأسئلة، بل انها تعلو في قدسيتها فوق قدسية الدين والإله والأنبياء، فأنت تستطيع أن تكفر بالله وبالدين وبالكنيسة وبالرسل وتجاهر بذلك، ولكنك لا تستطيع ممارسة طرح الأسئلة أو الاستفسار أو الشك العقلاني بالنسبة للظاهرتين.
لن تفضح الأكاذيب الصهيونية التي تبتز بها العالم إلا مقارنة علمية موضوعية بين عذابات ضحايا النازية الألمانية في ثلاثينات القرن الماضي وعذابات وآلام ودموع ضحايا الصهيونية في فلسطين وغيرها. فإذا كانت هناك صور أطفال يهود ماتوا جوعاً أو صور ترحيل قسري أو معسكرات اعتقال أو جدران الغيتو أو صور بشر يساقون إلى حتفهم إبان الهولوكوست النازي في ألمانيا، فان هناك صوراً مماثلة، بل أشد بشاعة وأكثر بربرية ولا إنسانية، ترى الموت ومعسكرات الاعتقال وهدم البيوت وحرق الزرع والإعتداء على المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، وهي تمارس بتلذذ وصلف من قبل مرتزقة المؤسسة الصهيونية القابضة على رقبة فلسطين وشعبها.
هذه المفارقة بين بكائيات اليهود الصهاينة على تاريخ مضى وبين ما يفعلونه اليوم بحق الضحية الفلسطينية يحتاج لأن يكون مادة لمشروع عربي يطرح على العالم الغربي.
هناك حاجة لتأليف المؤلفات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية والروائية الأدبية والأفلام الوثائقية والقصص السينمائية ورسائل الانترنت، باللغات الانكليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والصينية والروسية، لإبراز مقارنة علمية موثقة، صورة بصورة وكلمة بكلمة وسياسة عنصرية بسياسة ودمار للأرض والحرث والنسل بدمار مماثل، حتى يعرف العالم بأن دموع اليهود الصهاينة هي دموع كاذبة وطلب الإنصاف التاريخي هو تمثيل المجرم القاتل لدور الضحية وهو الذي يلغ في دماء ضحاياه بدون أدنى شفقة.
لا يوجد جهد أكثر خدمة للقضية الفلسطينية من جهد فضح الإبتزاز الصهيوني السياسي والمالي والأخلاقي للعالم كله عندما تستعمل عذابات يهود الثلاثينات كقميص عثمان ترفعه المؤسسة الصهيونية في وجه كل من تسول له نفسه انتقاد الوجود الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وممارساته الهمجية تجاه العزل وتجاه كل من يرفع سلاح المقاومة في وجهه.
إذا كانت مؤسسة القمة العربية صادقة في وقوفها في وجه المشروع الصهيوني – الأمريكي الظالم فأنها، وبالتنسيق مع الدول الإسلامية، وبتجييش لحماس المجتمع المدني العربي وإمكانياته، مطالبة بأن تقدم على إقامة مركز متخصص للقيام بهذه المهمة. عند ذاك يستطيع هذا المركز أن يستعمل كل الإمكانيات البحثية والتأليفية والنشرية عند العرب والمسلمين وعند كثير من أحرار العالم، وذلك من أجل أن يرى العالم، بصورة مستمرة وتراكمية وعبر كل وسيلة ممكنة وفي كل المحافل السياسية والإعلامية والفنية، حقيقة الذين يبتزون ضميره وإنسانيته بينما يمارسون يومياً كل مكونات الهولوكوست والإبادة العرقية ويعبرون في خطاباتهم وأفعالهم أقبح تعبيرات اللاسامية. أمام هذا المركز جهد عظيم بذله الألوف من الكتاب والبحاثة الشرفاء في العالم كله، وما عليه إلا أن ينسق ذلك الجهد مع الجهود العربية لفضح الصهيونية وتعرية أكاذيبها.