هل اصبح اعداء الدولة العربية في داخلها ؟؟ هل نجحوا في التسلل الى عدد من سلطاتها ومؤسساتها ومرافقها الحساسة ؟؟ هل باتوا ضالعين في صناعة القرار وتحديد بوصلة الاتجاه العام ؟؟
اسئلة تطرحها الوقائع الحية والشواهد الملموسة، قبل ان تطرحها هواجس وتساؤلات حائرة تتردد على السنة الشعوب التي تكابد اصعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحت نير دول او اشباه دول فاشلة وسادرة في ازماتها وخيباتها، وعجزها عن اللحاق بركب التقدم والتنمية والديموقراطية·
ورغم اننا لسنا من انصار المدرسة الاتهامية، ولا من احزاب المرجفين والمشككين، ولا من المتسرعين الذين يلقون القول على عواهنه·· الا ان الكثير من السياسات الشاذة والممارسات الغريبة تدفعنا دفعاً الى مرابع الدهشة والاستغراب، وترغمنا ارغاماً على معاقرة اسوأ الشكوك والظنون والافتراضات·
غير معقول هذا الذي يجري في معظم الدول العربية، وغير مفهوم كل هذا العبث والتخريب في امنها واستقرارها ووحداتها الوطنية، وكل هذا التذيل للمراكز الاجنبية على حساب الصالح العام، وكل هذا التفريط بالكرامة والسيادة والقرار الوطني المستقل، وكل هذا البيع والتبديد للقطاع العام بابخس الاثمان، وكل هذه المديونيات الداخلية والخارجية التي تقصم ظهور الشعوب، وكل هذا النهب والسلب والفساد المالي والاداري والاخلاقي غير المسبوق، وكل هذا الاستهتار بهيبة الدولة ومركزيتها ودورها المعروف في الرعاية والحماية والانضباط·
غير معقول ولا مقبول ولا مفهوم ان يتبوأ الصبية والجهلة والفسدة مواقع المسؤولية العامة، وان يستأثر هؤلاء بادارة الدولة وصناعة القرار، وان يتسلطوا على رقاب العباد دون وجه حق، وان يحولوا البلاد الى حقول تجارب لنظرياتهم المستوردة واجتهاداتهم المراهقة، وان يفصّلوا المراتب والمناصب والمكاسب على مقاس رغباتهم الشخصية وعلاقاتهم الشللية، وان يغادروا مواقعهم بعد كل هذا التدمير والتخريب والتلغيم، دون تحميلهم ادنى وزر او اقل مسؤولية·
نفهم ان تختلف الاراء وتتعدد وجهات النظر، حيال القضايا المبهمة والمسائل العويصة والملتبسة·· نفهم ان تكثر الاخطاء والتجاوزات والاخفاقات، ازاء الظروف الطارئة والحالات الداهمة والمباغتة، ولكننا لا نستطيع ان نفهم او نفسر او نبرر تجريب المجرب، والذهاب للحج والناس راجعة، والقص في اثر الجمل ونحن نراه بام العين، والاصرار على اقتراف الغلط بينما ينتصب الصواب واضحاً جلياً، والتمسك بالرأي والتشدد في العناد امام كل النصائح المخلصة والاراء المخالفة ووجهات النظر الاخرى·
غريبة امور هؤلاء المسؤولين، ومريبة مسالكهم وتصرفاتهم حتى لكأنهم يتعمدون ارتكاب الاخطاء، وينوبون عن جهات خارجية في خلط الاوضاع وقلبها رأساً على عقب، ويتهافتون على المناصب العامة، ليس لتجشم مشاق المسؤولية، او رعاية شؤون الناس، او مباشرة التنمية والاصلاح والانجاز، بل لعمل العكس على طول الخط، وتحقيق مآربهم ومكاسبهم الخاصة دون خجل او وجل، ومحاباة شركائهم واصدقائهم واقربائهم على حساب الجماهير الكادحة، وتجهيز مراكز مالية او مناصب دولية او اقليمية لهم بمجرد خروجهم من رحاب السلطة والوظيفة العامة·
لقد هبطوا على مواقعهم الرسمية الرفيعة بواسطة المظلات، وباغتوا الشعوب من حيث لا تحتسب، وطلعوا من المبني للمجهول يحملون اسماء ما انزل الله بها من سلطان ولا من تاريخ او معرفة مسبقة، وانتدبوا انفسهم كوكلاء ومبعوثين ومندوبين ورسل للقوى والجهات الاجنبية·· والا من اين جاء الدكتور سلام فياض ؟؟ ومن كان يعرفه او يسمع عنه قبل خمس سنوات فقط ؟؟ ومن اين يستمد قوته السياسية وهو لا يمتلك اي تاريخ نضالي او قاعدة شعبية ؟؟
ثم لماذا نذهب بعيداً في الاسئلة والتساؤلات حول لغز هؤلاء المسؤولين الجدد في الوطن العربي، مادام الدكتور مصطفى الفقي، احد اركان نظام الرئيس مبارك قد اعترف بعظمة لسانه وعلى الملأ قبل بضعة اشهر، ان تعيين اي رئيس جمهورية مصري مرهون بموافقة امريكا ورضا اسرائيل، وليس بارادة شعب مصر الذي انجب احمد عرابي، وسعد زغلول، وجمال عبدالناصر ؟؟
طيب، اذا كان هذا هو حال مصر الكنانة، اكبر واعرق دولة عربية، فكيف يكون حال باقي الدويلات والمشيخات والدوقيات العربية ؟؟ واذا كان اعظم موقع قيادي مصري خاضع لموافقة امريكا ورضا اسرائيل، فماذا عن المواقع الاخرى الاقل وزناً وشأناً ليس في مصر وحدها، بل في معظم الاقطار العربية البائسة ؟؟
لسنا بعيدين عن "لعبة الامم"، بل لعلنا كعرب في قلب هذه اللعبة التي تعتمد الاختراقات الامنية بدل المواجهات العسكرية، وتستخدم القوة الناعمة عوض الخشنة، وتجند الاعوان والعملاء لضرب شعوبهم، وتخرب الدول والمجتمعات عن بُعد وبواسطة "الريموت كنترول"، وتحرض حتى بعض قوى المعارضة على حكامها واوطانها، شأن ما جرى سابقاً في العراق، ويجري الآن في اليمن والجزائر والسودان·
لم تعد الاختراقات الامريكية والصهيونية للجسم العربي مقصورة على الجوانب الامنية او التجسسية، ولم تعد محصورة في صغار العملاء والاعوان والاذناب، بل اتسعت عقب انهيار المشروع النهضوي والوحدوي العربي، لتشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية، ولتطال عدداً من كبار المسؤولين والمتنفذين والمشاركين في صناعة القرار الذين يصعب كشفهم والامساك بهم، ولكن تسهل ملاحظة افعالهم التخريبية، وتوجهاتهم المعادية للعروبة والمعاكسة للمصالح الوطنية والجماهير الشعبية·
الكثيرون منا قرأوا حكاية الجنرال الصيني الذي نجحت المخابرات المركزية الامريكية في تجنيده قبل بضعة عقود للتعامل معها والعمل ضد مصلحة بلاده، وقد امضى ذلك الجنرال الثعلب عدة اعوام في مزاولة عمالته الى حين اكتشفت احدى الجهات الصديقة للصين حقيقة امره، وقامت من فورها بالابلاغ عنه، ما حدا بالسلطات الصينية الى تشديد الرقابة السرية عليه فترة طويلة، ولكن دون ان تأخذ عليه ما يثير الريبة والشبهة·· جرى اعتقاله وعقد صفقة معه مقابل الاعتراف بالمهمات الموكولة اليه، وحين وافق على الصفقة قال ان الامريكان لم يطلبوا منه اية اسرار او معلومات استخبارية قط، بل كلفوه القيام باعمال مغرضة ومغلوطة، بحيث يضع الرجل الفاسد محل الصالح، ويزكي الرأي الخاطئ على حساب الصائب، ويقترح الخطط والمشاريع الفاشلة بدل القابلة للنجاح، ويشكك في المخلصين للثورة والنظام مقابل الثناء على المنافقين والمتربصين·· الخ·
ترى كم لدينا في الوطن العربي من امثال ذلك الحصان الصيني او الطروادي المدسوس ؟؟
جريدة المجد الالكترونية/ الأردن
السنة السابعة عشرة، العدد 612