قاسم حسين
اعتادت العرب في أزمنتها القديمة أن تسمّي بعض الأشياء بمناقضاتها، فتسمّي مثلاً الأعمى بصيراً، كما يطلق خليجيّاً على الأعور كريم عين، وتسمي العرب مواليدها الجدد بأسماء الوحوش والغيلان والحيوانات المفترسة.
وفي العصر الحديث، تُسمّي بعض التجمعات المستخدَمة لتشطير المجتمع وتمزيق الأوطان بأسماء الوحدة والاتحاد! تماماً كالكائن البشري، حين ينقص مستوى السكر في الدم لديه؛ يلجأ إلى تناول العصائر وأكل الحلويات. وسيأتي يومٌ تؤرّخ فيه هذه المرحلة، التي تشهد نقصاً كبيراً في مستوى الشرف والكرامة لدى بعض الأفراد والجماعات، وانخفاضاً شديداً في الشعور بالحرية واحترام الذات.
لقد انتهينا من إرساء دولة المؤسسات والقانون، وقدّمنا تجربةً ديمقراطيةً عريقةً للعالم أجمع، وعلينا بعد اليوم أن ننتقل إلى المرحلة التالية، ونبدأ بتأسيس المؤسسات «الحرة» نفسها!
لقد بدأنا والحمد لله بتأسيس «الاتحاد الحر للعمال»، بحضور أبرز الشخصيات الدينية النافذة التي منحته بركاتها. وقد استهل عمله النقابي المبارك بإعلانٍ واضحٍ برفض عودة المفصولين إلى أعمالهم السابقة، لأن هناك أشخاصاً آخرين انتهزوا الفرصة السانحة واحتلوا مناصبهم ووظائفهم، ولا يجوز شرعاً ولا عقلاً ولا قانوناً إزاحة من احتل المنصب حديثاً، وعودة من كان يشغله سابقاً، حتى لو كان يمتلك خبرة ثلاثين عاماً.
إنه لا يجوز بعد اليوم أن تبقى هناك نقاباتٌ تضم أبناء الطوائف والمناطق المختلفة، تدير أمورها وتنتخب إداراتها بالانتخابات، ولابد من تجاوز ذلك والشروع في إعلان نقابةٍ «حرّة» في كل شركة، والأفضل أن تكون هناك ثلاث أو أربع نقابات!
إننا بحاجةٍ إلى الدفع باتجاه تشكيل جمعية ثانية للأطباء، وجمعية أخرى للمعلمين، وجمعية ثالثة للتمريض ونأتي برئيسةٍ جديدةٍ لها. ونحتاج إلى تشكيل جمعيات أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقات الحركية. ولا ننسى ضرورة التوصية بإنشاء جمعيات جديدة للتوحد العقلي ومرض السكلر وأصدقاء مرضى السكر ومكافحة التدخين وجمعية أخرى لمرض باركنسون.
إننا في عالم المؤسسات والجمعيات والمنظمات الحرة، وتأتي في مقدمتها جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث يزداد الطلب على هذه الخدمات اللوجستية، وخصوصاً في المحافل الدولية عند مراجعة تقارير انتهاكات حقوق الإنسان. وإذا كانت النسخ القديمة من جمعيات ومراكز حقوق الانسان تقوم على مبدأ التطوع والخدمة العامة؛ فإنه لابد من اعتماد مبدأ صرف المكافآت المجزية تشجيعاً لمن يفنّدون الروايات الكاذبة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
إننا بحاجةٍ أيضاً إلى تشكيل فرق رياضية، على أسس مذهبية نقية، تتجاوز مرحلة المنتخبات الوطنية القديمة التي يقف خلفها كل فئات الشعب يشجعونها في كل مباراة. فلا يجوز بعد اليوم أن يكون المنتخب شاملاً لأفضل اللاعبين من مختلف الأندية الرياضية، وإنما يجب أن تكون هناك «مسطرةٌ مناطقية» كما يقول المغاربة! حتى المنتخب يمكن أن تجلب له لاعبين أشداء من إفريقيا ليمثلوك في دورات كأس الخليج والألعاب الآسيوية وتصفيات كأس العالم! وإذا (قرف) جمهور المشجّعين وغاب عن المدرجات، فيمكن استقدام جمهورٍ بديل «فري فيزا»، للقيام بمهمة تشجيع المنتخب الوطني!
إننا على أبواب مرحلة تاريخية جديدة، قد نحتاج فيها إلى أن نستبدل اللغة العربية بلغة إفرو/آسيوية حرة، بعدما يصبح البحرينيون أقليةً في بلدهم ويجب أن يعاملوا كالأقليات. وحينها سنحتاج إلى جيش حر، وعَلَمٍ حر، وسلام وطني حر، وجامعات ومستشفيات حرة، وشوارع وزرانيق وفرجان حرة… وأخيراً سنحتاج إلى استيراد شعب حر!