الدكتور غالب الفريجات
باتت الأوضاع في الاراضي الفلسطينية لا تحتمل المراهنة لا على فتح وسلطة الضفة الغربية ولا على حماس وسلطة غزة، فكلاهما لم تستوعبا ان فلسطين اكبر منهما، ومن كل الفصائل الفلسطينية، وكل واحدة منهما تراوح مكانها رغم هلوسة قيام الدولة المزعومة، من خلال خرم موافقة الامم المتحدة على قبول فلسطين صفة الدولة المراقب، وهو لا يعني الا قراراً على الورق، والدولة لاتقيمها القرارات الدولية، بل المقاومة الشعبية بكل انواعها بما فيها المقاومة المسلحة، التي يجب ان تشمل عموم ارض فلسطين، وتمتد الى الوطن العربي للدخول الى كل بيت عربي، من خلال اقتناع المواطنين بجدية النضال الذي يهدف الى التحرير لا الى تحقيق المكاسب الآنية، من خلال سلطة مهترئة لا اثر لها على ارض الواقع.
سلطة الضفة انتهت بطريق مسدود لفشلها في المفاوضات التي اعتبرتها الطريق الوحيد لقيام الدولة المزعومة، الفاقدة لكل معايير السلطة والهيبة، هي اقرب الى الحكم المحلي في ظل الهيمنة الفعلية للكيان الصهيوني، وهاهي تتغنى بدولة على الورق، وسرعان ما تطالب بالكنفدرالية مع الاردن، ويمكن مع " اسرائيل"، وهو ما يعني قبر القضية الفلسطينية، وانهاء قضية اللاجئين والقدس خاصة للذين ينادون بدولة فلسطينية، لان هذا النهج قد قبر نهج التحرير الكامل لفلسطين من البحر الى النهر، بالاضافة الى ان هذا الطريق يخلص الكيان الصهيوني من التزاماته الدولية وتنفيذ قرارات هيئة الامم المتحدة تخص الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
سلطة حماس التي رهنت نفسها في القطاع غير القابل للحياة، لضيق المساحة وكثافة السكان وقلة الموارد، اخذت تتغنى بانتصارات وهمية رغم الصمود البطولي لابناء القطاع، وهو ما لايقدم خطوة واحدة على طريق التحرير، كما انها اي حماس قد دخلت النفق السياسي على حساب المقاومة، عندما ربطت نفسها بالمحور التركي المصري الخليجي، ولم تعد تختلف عن مواقف سلطة الضفة، لان المرجعية واحدة، فالنظام العربي الرسمي الى جانب تركيا ليس مع التحرير، بل مع قيام دويلة فلسطينية منزوعة السلاح والهيبة والسلطة، وهو ما تؤكده حماس في الموافقة على قيام دولة في حدود الخامس من حزيران، الى جانب دعمها لمساعي عباس في الامم المتحدة بخصوص قبول فلسطين صفة المراقب، وهو ما يؤكد على قناعة حماس بقيام دولة الخامس من حزيران، الى جانب انها وضعت نفسها في عربة حكم الاسلام السياسي في مصر العاجز عن تحرير سينا، والملتزم باحترام الاتفاقات الدولية، وبشكل خاص اتفاقية كامب ديفيد كشرط لاستلام السلطة وتحالفها مع الادارة الامريكية، وبالتالي ستكون عراب التهدأة والتسوية ما بين حماس والكيان الصهيوني.
امام هذا الواقع المأزوم والذي صنعته كلا من حماس وفتح، لابد من انتفاضة ثالثة تعيد القرار للجماهير الشعبية من جهة، وتؤكد على الثوابت النضالية الهادفة الى تحرير كامل فلسطين من البحر الى النهر، وهو ما تتوق اليه جميع جماهير الشعب الفلسطيني وابناء الامة العربية، لان فلسطين وقضيتها قد باتت لتحقيق المصالح لسلطة اوسلو، يستوي فيها فتح وحماس معاً، على اعتبار ان حماس هي جزء من هذه الاتفاقية، لانها دخلت الانتخابات في ظل السلطة المنبثقة عن اتفاق اوسلو، واصبحت جزءً من السلطة الفلسطينية في ظل قوانين اوسلو.
ما تحتاجه فلسطين وحركة النضال الوطني الفلسطيني انتفاضة شعبية ثالثة بفعل ابطال الحجارة، الذين سيحرقون الارض تحت اقدام الصهاينة، وبشكل خاص المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، كمرحلة اولى في معركة التحرير الوطني، من اجل الخلاص من الاستعمار الصهيوني لعموم ارض فلسطين، فالانتفاضة تدخل عموم ابناء فلسطين في عملية الكفاح الشعبي، وتقف للصهاينة وقطعان المستوطنين بالمرصاد، وتنهك " اسرائيل" عسكرياً وامنياً واقتصادياً، وتضيق الحياة على المهاجرين الصهاينة، تدفعهم بالرحيل الى الخارج بعد ان تصبح اقامتهم غير آمنة، وتقف في وجه التفكير لاي يهودي للهجرة الى فلسطين المحتلة.
انتفاضة ثالثة تعيد للنضال الوطني الفلسطيني دوره بعد ان دمرته اتفاقية اوسلو الخيانية، وتجدد الدور النضالي لشعب فلسطين البطل الذي دأب على تقديم التضحيات في سبيل حصوله على حريته وحرية وطنه، لكنه لم يجد من القيادات من يكون في مستوى تضحياته، فالحركة الوطنية الفلسطينية التي انطلقت مع ستينيات القرن الماضي كانت ترفع شعار التحرير الكامل لفلسطين، ولم يكن هدفها اقامة سلطة مغموسة بالذل والاهانة من قبل الاحتلال الصهيوني كما افرزت اتفاقية اوسلو، لان حركة النضال الوطني في مثل هذه الحالة اما انها لم تفهم طبيعة الصراع مع العدو، او انها كانت تلهث وراء مكاسب على حساب الوطن وحقوق المواطنين، وبشكل خاص اللاجئين.
فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين، والصراع مع الكيان الصهيوني صراع وجود، وهو صراع عربي صهيوني، ولا يحق لمنظمة التحرير ان تتنازل عن شبر واحد من ارض فلسطين وتمثيلها للشعب الفلسطيني بالوحدة والتحرير فقط كما خط بيده الشهيد البطل صدام حسين في مؤتمر الرباط 1974.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.