أحمد العريض
لمن لا يعرف سعداً فإنه أحمق العرب، وله أخٌ يدعى «مالك ابن زيد مناه»، ومالك آبل زمانه (أي أفضل من يقوم على رعاية الإبل). قرّر مالك أن يتزوج وفي ليلة عرسه أورد الإبل لأخيه سعد، ولم يحسن القيام عليها والرفق بها، فهاجت الإبل وماجت فاقتلعت خيام قبيلة زيد مناه، ومنها خيمة الزواج لمالك، فهوت الخيام على رؤوس ساكنيها. فعكّرت على مالك صباح عرسه… فقال لأخيه هذا البيت:
أوردها سعد وسعد مشتمل… ما هكذا تورد يا سعد الإبل
ومعنى «مشتمل» أي متلفعاًً بشمله، وليس هذا حال من يخرج لرعي الإبل، فصارت مثلاً يُضرب لمن يقع في الخطأ من حيث أراد الصواب، كما يضرب لمن قصّر في الأمر. وهذه حالنا في وزارة الصحة لإعادة إحياء برامج زراعة الأعضاء: الكلى، القرنية، القوقعة، ونخاع العظم والخلايا الجذعية.
فالظاهر أن المسئول القيادي في وزارة الصحة لا يحب الزراعة والزارعين، ولكنه مرغمٌ على مواصلة ودعم هذه البرامج. بتاريخ 28 مايو/أيار 2013 دعي لاجتماع فريق زراعة القوقعة للأطفال، وهو البرنامج الذي بدأه أحد الجراحين المتخصصين في مجال الأنف والأذن والحنجرة منذ عقد من الزمان، وتمت على يد هذا الجراح المبدع إجراء أكثر من مئة زراعة قوقعة. هذا الجراح لم يُدعَ للاجتماع وهُمّش وأُبعد مع أنه كان متواجداً في البحرين وفي مجمع السلمانية الطبي خلال ذلك الاجتماع، والسبب لهذا الإبعاد والتهميش غير معروف إلا عند هذا المسئول.
كما عقد بتاريخ 23 مايو 2013 اجتماع آخر للتنسيق مع الفريق السعودي لزراعة الأعضاء التابع لمستشفى فهد وحضر الاجتماع بعض أعضاء فريق زراعة الأعضاء في مجمع السلمانية، واستبعد كذلك رئيس الفريق وهو الاستشاري الجراح الذي بدأ بإنجاح المشروع منذ العام 2000 بعد سفر البروفسور جورج ابونا. وهو كذلك الاستشاري الذي أجرى أول عملية زرع كلى من متوفي دماغياً في البحرين وأول من قام بالتنسيق مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء في المملكة العربية السعودية، وكذلك مع مركز زراعة الأعضاء في دولة الكويت، وذلك لوضع البروتوكولات لتبادل زراعة الأعضاء من المتوفين دماغياً في دول مجلس التعاون الخليجي. وكذلك كان السبب للإبعاد والتهميش غير معروف إلا عند هذا المسئول السعدي (نسبة إلى «سعد» المذكور أعلاه).
وكذلك حال فريق زراعة القرنية، وفريق زراعة الخلايا الجذعية وغيره من الفرق العلاجية التي ساهمت خلال العقود الماضية في وضع البحرين على خريطة الدول التي تقدم مثل هذه العلاجات لمواطنيها. حال هذه الفرق لا يختلف عن سابقها، وإبعاد وتهميش من ساهموا في إنجاح هذه الفرق من قبل مثل هؤلاء المسئولين شاهد للعيان.
هذه الفرق العلاجية يا سعادة الوزير، ويا سعادة الوكيل… قدّمت عدة دراسات لنجاح تجاربهم وإنجازاتهم في عدة ندوات واجتماعات علمية عربية وإقليمية ودولية وحصل أعضاؤها على أوسمة وشهادات عالية وتشجيعية في مجالات تخصصاتهم خلال العقود الماضية، فلِمَ تهميشهم الآن وإبعادهم عن مجالات عملهم؟ ألا يستدعي هذا النظر مرةً أخرى لتشجيع هؤلاء ودعم اختصاصاتهم وخصوصاً أن هذه الجهود لإنجاح هذه المشاريع العلاجية في العقود السابقة تمت برعاية وتوجيهات القيادات السياسية، وكذلك قيادات وزراء ووكلاء سابقين في وزارة الصحة.
فلماذا يعامل هؤلاء الاستشاريون والمبدعون في مجالات تخصصهم بهذا الجفاء والإهمال والإقصاء والتعالي؟ وهو ما نتج عنه أن أخذت هذه البرامج منحى انحدارياً، وذلك نتيجة لوضع مسئولين على قمة الهرم العلاجي أشخاص «سعديي المزاج»، لا يفقهون في الاستراتيجية لتقديم الخدمات العلاجية، معظم هذه البرامج ستوقف وخصوصاً بعد الهزة الكبيرة التي أصابت مجمع السلمانية بعد الأحداث التي مرت على البحرين منذ عامين، خصوصاً عندما يستخدم المسئولون الأسلوب الإداري «السعدي» الذي ينتج عنه عزوف الاستشاريين عن مواصلة الإبداع وإجبارهم على معايشه بيئة طاردة لمواهبهم وكفاءتهم العلاجية.
ومثال هذا الأسلوب «السعدي» في التصرف ما مرت أمامي من حادثة في العام الماضي، حيث تم التنسيق بين مركز السلمانية، دائرة أمراض وزراعة الكلى، للاستفادة من أعضاء متوفي دماغياً، وتمت الإجراءات للتأكد من الوفاة الدماغية بواسطة فريقين من أطباء العناية القصوى والأمراض العصبية وإكمال الدراسات المختبرية لخلو المتوفى من الأمراض ودراسة اختبارات الأنسجة. وكالعادة تم الاتصال بمركز زراعة الأعضاء في السعودية، وتم اتصال هذا المركز بأهل المريض في الهند، وحصلوا على موافقتهم بالتبرع كما هو متبع. واستعد الطاقم السعودي الجراحي للتوجه للبحرين بواسطة الطيران المتوفر في المركز السعودي على أن يتم زراعة الكلى، وأن يتم زراعة الكبد والقلب في السعودية لمرضى مصابين بهبوط مزمن في هذه الأعضاء. وقد تم مثل هذا التنسيق سابقاً مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء من المتوفين دماغياً في البحرين والمركز الكويتي لزراعة الأعضاء كذلك. فماذا كان نتيجة هذا الجهد الذي بُذل وهذه الأموال التي صرفت من قبل هذه المراكز في السعودية والبحرين؟
بعد أخذ الموافقات من أهل المتوفي دماغياً في الهند، رفض هذا المسئول «السعدي» إكمال إجراء العملية ووضع المنسقين والأطباء في البحرين في حرج مع المركز السعودي. وهكذا خسر خمسة مرضى في البحرين والسعودية السبيل الوحيد لإنقاذ حياتهم وهو نقل هذه الأعضاء، وذلك نتيجة مثل هذه القرارات الحمقاء. فهل يا سعادة الوزير والوكيل، يمكن أن نستمر هكذا بتقديم العلاجات المتقدمة لإنقاذ هؤلاء المرضى وعلى قمة هرم إدارة مجمع السلمانية ووزارة الصحة مثل هؤلاء المسئولين؟
إننا ندعوكم لإنقاذ الوضع حتى تتمكن هذه الكوادر من الاستشاريين المبدعين من مواصلة إبداعاتهم العلاجية.
سعادة الوزير/ سعادة الوكيل: إن ملفات المرضى الذين تم إعدادهم لإجراء العملية موجودةٌ لدى منسقي زراعة الأعضاء في مجمع السلمانية، والاستعدادات التي اتخذها المركز السعودي لزراعة الأعضاء في تلك الحادثة يمكن التأكد من صحتها من رئيس المركز السعودي لزراعة الأعضاء الدكتور فيصل شاهين.