قاسم حسين
من أكثر الوزارات أعباءً وتراجعاً في الأداء، بعد وزارة التربية والتعليم، شقيقتها وزارة الصحة، التي تتعامل يومياً مع عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين.
الوزارتان كانتا نموذجاً لحسن الأداء والعطاء الوطني، منذ أواسط الثمانينيات. وكانت تخدم فيهما نخبة الخريجين البحرينيين والخريجات، في حقلي الطب والتعليم. وكلتاهما تأثرتا بشدةٍ، بالتغيرات السياسية والديمغرافية التي شهدتها البحرين خلال السنوات العشر الأخيرة.
الكثيرون توقّعوا هذا التأثر، وخصوصاً من ناحية الزيادة في أعداد البحرينيين. وكان الكثيرون يحذّرون من الانعكاس الحتمي لذلك على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، والآثار والتشققات التي بدأت تظهر قبل سنوات، أصبحت اليوم أكثر وضوحاً وجلاءً.
كلتا الوزارتين كانتا تتبعان سياسات توظيف مثيرة للجدل، بتفضيل الأجانب على المواطنين الخريجين المؤهلين، خلال العقد الأخير. وكان ذلك انقطاعاً للسياسة التي اعتمدت منذ بداية الاستقلال مطلع السبعينيات، حيث أتيحت فرص العمل والتطوير أمام الكوادر الوطنية المؤهلة أكاديمياً. وبسبب السياسات الأخيرة، تلقت الوزارتان الكثير من الانتقادات والاحتجاجات، سواءً في المجالس أو الصحافة أو وسائل التواصل الاجتماعي، فماذا يعني أن يكون لديك مئات المعلمين فتحرمهم من فرصة العمل في بلدهم، وتنشر إعلانات في بلدان أخرى لتوظيف مواطنيها، وتبرر ذلك بعدم وجود التخصصات لدى مواطنيك، رغم ما يدحض كلامك من شهادات الخريجين. والأمر نفسه كان يحدث مع الأطباء الخريجين في حرم وزارة الصحة، التي كانت نموذجاً للحاضنة الوطنية الكبرى للخدمات الطبية.
آخر الصيحات نسمعها اليوم من خريجي التمريض، من كلية العلوم الصحية، التي أمدّت مستشفيات ومراكز البحرين طوال الأربعين عاماً الماضية بآلاف الكوادر التمريضية الوطنية، دون كلل أو ملل. واليوم تتعمد الوزارة إبعاد خريجيها عن التوظيف، وتمنح الفرص الوظيفية المتاحة للممرضين الآسيويين.
المحتجون يقولون إن وزارة الصحة كانت تصرّح بعدم وجود عاطلين من خريجي التمريض، بينما قامت مؤخراً بتوظيف دفعة جديدة من الممرضات الآسيويات، رغم أننا من خريجات العام 2014، وعددنا أكثر من 100 عاطل وعاطلة، وكلنا نمتلك رخصة مزاولة المهنة.
في الأشهر الأخيرة، تحدّثت الصحف المحلية عما يعانيه العديد من المراكز الصحية من نقصٍ في الكوادر الطبية والتمريضية على السواء. وينعكس ذلك على كثرة الزحام الذي تشهده المراكز، في الليل أو النهار، وانتهاء حجز الأرقام قبل أكثر من ثلاث ساعات من انتهاء الدوام الرسمي. ورغم ذلك، كانت الوزارة ترفض توظيف الخريجين، رغم الحاجة الماسة لسد هذا النقص. وكانت الحجة الكلاسيكية عدم وجود موازنة، بينما تتوفر الموازنة بكل سرور، لتوظيف الأجانب.
الخريجون يقولون إننا انتظرنا فرصة التوظيف ما يقارب العامين، إلا أن الوزارة كانت توظّف عدداً قليلاً جداً، وفي أوقاتٍ متباعدة، دون أن تلتزم بأية معايير معروفة من حيث الأقدمية أو المعدل الأكاديمي في الجامعة، في حين تفاجئنا بإجرائها مقابلات مع الممرضات والممرضين الآسيويين، تمهيداً لتوظيفهم في السلمانية أو المراكز الصحية.
نريد أن نسأل وزارة الصحة كما سألنا الأسبوع الماضي شقيقتها وزارة التربية: لماذا الإصرار على هذه السياسات الخاطئة؟ فحتّى من الناحية الاقتصادية البحتة، هذه السياسات لا تراعي مصلحة الوطن في هذا الظرف الاقتصادي الصعب، حيث تدعو الدولة الجميع لمساعدتها في تحمل إجراءات التقشف وشد الأحزمة حول البطون.
اقتصادياً، يا وزيرة الصحة، توظيف البحريني لن يكلّف الوزارة أكثر من الراتب الشهري وما تلحق به من علاوات زهيدة محدودة، أما توظيفك الأجنبي فأنت مكلفةٌ بدفع علاوة السكن والمواصلات؛، وعلاوة الغربة؛ وبدل تذاكر السفر جواً سنوياً؛ له ولأفراد عائلته. فلماذا الإصرار على هذه السياسات الخاطئة؟ وإلى متى يستمر هذا الاستنزاف للموارد التي تحتاج إلى حسن إدارة وترشيد؟
رحمةً بهذا البلد في هذه الأزمة الطاحنة. وابدأوا بتصحيح هذه الأخطاء ليتمكّن المواطنون من عبور هذه الهاوية وتخفيف آلام هذا المخاض.