الشيعة العرب و الأمن القومي العربي
بقلم: العلامة السيد محمد علي الحسيني*
إشكالية استغلال مسألة الاقليات العرقية والدينية والطائفية في اتجاهات تلحق أضرارا معينة "أو مطلوبة" بالامن القومي العربي، ماتزال تطرح نفسها بقوة على بساط البحث وتتخذ حيزا ملفتا للنظر من الاهتمام لدى الدوائر الامنية والاستخباراتية العربية والاقليمية، ويشكل الملف الشيعي العربي بشكل خاص لدى تلك الدول التي يتواجد فيها الشيعة حضورا بشكل أو بآخر، واحدا من أهم الملفات الساخنة التي تثير قلق وتوجس الدوائر والاوساط الاستخباراتية العربية والاقليمية.
الخلفية التأريخية التي تشغل مساحة مهمة وقابلة للملاحظة من تكوين وبلورة نظرة او موقف من الملف الشيعي العربي، والتي هي في نظرنا بأمس الحاجة الى إعادة النظر والرؤية فيها بما يخدم الحاضر والمستقبل، تعتبر "من وجهة نظر البعض"، حجر عثرة او عائقا قويا لعامل الاطمئنان والثقة بالشيعة العرب كشريك فعال في النسيج الاجتماعي للأمة العربية في مختلف الاقطار العربية، والذي ساهم ويساهم في ترسيخ وبقاء هذه الرؤية السلبية، هو السعي الحثيث والدؤوب من جانب أطراف إقليمية ودولية لأدلجة وتسييس قضية الشيعة العرب بما يخدم مصالح وأجندة إقليمية ودولية معينة، وهذا الأمر، بعد ثبوته بمختلف القرائن والادلة، لفت نظر الكثير من المخلصين والغيورين من الشيعة العرب من أولئك الذين يرفضون أن يكون هنالك حواجز او فواصل بين انتمائهم المذهبي والوطني والقومي ويحاولون بشتى الطرق والوسائل والسبل إثبات صدق وعمق انتمائهم الى أوطانهم وشعوبهم.
وقطعا ليس بالامكان الاعتماد على الجهود والمشاعر والاحاسيس الفردية او الجماعية غير الموجهة او المبرمجة لأنها لا يمكن أن تشكل في النهاية حضورا ملموسا ومؤثرا على ارض الواقع، وان ضرورة وجود تيار او اتجاه فكري ــ سياسي تنويري يغذي تلك الجهود او المشاعر والاحاسيس الفردية او الجماعية قد بات من مسلمات وبديهيات صيانة الامن القومي للأمة العربية، ومن هنا فإننا، عند شروعنا في تأسيس المجلس الاسلامي العربي، قد أخذنا على عاتقنا هذه الحقيقة وسعينا إلى تجسيدها وبلورتها على أرض الواقع وترجمتها من مجرد أفكار وأطروحات نظرية الى برامج عملية تطبيقية تؤكد نظرتنا هذه.
ومنذ الايام الاولى لتأسيس المجلس الاسلامي العربي، جابهتنا الكثير من الصعاب وواجهتنا مشاكل وازمات متباينة عصفت بالمجلس بحيث أن بعضا منها قد هدد وجود المجلس بحد ذاته، لكننا وعلى الرغم من كل المصاعب والتحديات المذكورة، قد آلينا على أنفسنا الاستمرار في عملنا المضني وبقاءنا برهن المسؤولية الكبيرة والجسيمة التي ألقيناها على عاتقنا بصورة طوعية خدمة لمصالح وآمال وتطلعات امتنا العربية، وقد أثبتنا حضورنا وأدينا الدور المنوط بنا على الخارطة السياسية العربية وشكلنا تيارا فكريا ـ سياسيا له ثقله وحضوره الذي لم يعد هينا او يسيرا تجاهله او التغاضي عنه، وان تعرضنا لهجمات سياسية وتخرصات إعلامية متعددة الجوانب ناهيك عن حملات تخويننا او حتى تهميشنا، كان بحد ذاته شهادة قطعية على أننا قد بتنا نشكل رقما صعبا على طول الساحة وعرضها.
وبعد أن صار المجلس الاسلامي العربي يشكل المرجعية الإسلامية لشيعة العرب، فإن العمق العربي الذي اكتسبه ويكتسبه المجلس يوما بعد آخر في مختلف الاقطار العربية، قد أهله لكي يصبح قوة فكرية ـ سياسية بإمكانها مواجهة التحركات المشبوهة المضادة لأدلجة وتسييس الملف الشيعي العربي واستخدامه لأغراض لا علاقة لها من قريب او بعيد بالشيعة العرب او طموحاتهم بقدر كونها في خدمة الاهداف المضادة لآمال وطموحات امتنا العربية، وقد أوضحنا ونوضح مختلف الامور والقضايا التي تشكل للأعداء والمتربصين شرا بأمتنا مرتعا ينطلقون من خلاله لإلحاق الاضرار بها، وخصوصا تلك الامور والقضايا التي تشكل تهديدا للأمن الاجتماعي العربي، وقد نجحنا ــ بحمد الله وعونه وخفي ألطافه ــ في مساعينا المخلصة وأثبتنا أن قوة وعمق العلاقة التأريخية بين الشيعة العرب واخوتهم من السنة أكبر بكثير من هكذا مخططات مشبوهة ومحمومة وانه، بجهود مخلصة ومسؤولة، يمكن دحض وإفشال تلك المخططات وكشف زيفها وهوانها. وزيادة الوعي الوطني والقومي وتوضيح حقائق الامور وجوهرها، ستجعل من تلك المؤامرات والمخططات الخبيثة اوهن من خيط العنكبوت.
اننا، بعد ان طوى المجلس الاسلامي العربي سنين صعبة وحساسة من عمره المديد وسجل دورا وحضورا مميزا على أرض الواقع، وبعد أن أصبحنا مرجعية اسلامية معروفة للشيعة العرب، وباتت مختلف الاوساط السياسية والاعلامية العربية تشير لنا بالبنان، مازلنا نعتبر الامن القومي للأمة العربية في مختلف أقطارها، من أهم أولوياتنا وخطنا الاحمر الذي لا يمكن أن نتهاون اونتساهل فيه بأي وجه من الوجوه واننا لواثقون من أننا سنثبت للجميع أن الشيعة العرب لا ولن يفرطوا في انتمائهم الوطني والقومي من أجل أجندة ومخططات مشبوهة، "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".