مراجعة شاملة للقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن الصحافة والتعديلات الجوهرية المقترحة بشأنه (4)
«الشورى» و«النواب» عجزا عن تقديم قانون صحافة عادل طوال عشر سنوات
حسين محمد البحارنة
ننتقل في مراجعتنا القانونية الشاملة لأحكام المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر إلى القسم الثاني من هذا البحث، مبتدئين بمقدمة عامة.
1- تنص المادة 24 من كل من دستور 1973 ودستور المملكة 2002 على أن «تكون حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون». وكان يوجد في السابق قانون ينظم الصحافة والطباعة والنشر وهو المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979 بشأن المطبوعات والنشر. وكما أسلفنا في القسم الأول من البحث، لم تكن توجد حالة ضرورة لإصدار مرسوم بقانون جديد بشأن الصحافة قبل أقل من شهرين من تاريخ انعقاد أول اجتماع للمجلس الوطني في 14 ديسمبر 2002، إذ كان يمكن ترك مهمة إصدار هذا القانون الجديد للسلطة التشريعية القادمة.
وبطبيعة الحال، فقد ألغى نص المادة 94 من هذا المرسوم بقانون لسنة 2002 المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979 بشأن المطبوعات والنشر الذي كان ينظم الصحافة والطباعة والنشر سابقاً. ولكن الحقيقة هي أن المرسوم بقانون الجديد لسنة 2002 تبنى معظم نصوص المرسوم بقانون لسنة 1979، إلاّ أنه يسجّل للمرسوم بقانون لسنة 2002 أنه ألغى السلطة المخولة لوزير الإعلام بموجب المرسوم بقانون لسنة 1979 بإصدار قرار إداري بإيقاف الصحيفة أو المطبوعة أو إلغاء الترخيص بقرار إداري غير خاضع للطعن عليه أمام القضاء، بل جعل تلك السلطة خاضعة لرقابة القضاء. ولكن المرسوم بقانون لسنة 2002، موضوع البحث، هو كالمرسوم بقانون السابق لسنة 1979، يقيد كثيراً، وبشكل ملحوظ، حرية الصحافة والطباعة والنشر، كما يفرض كلاً من الرقابة المسبقة والرقابة اللاحقة عليها.
2- وللمقارنة العامة بين المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979 بشأن المطبوعات والنشر، والمرسوم بقانون الحالي رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة، نجد بعض الفروقات بشأن القيود غير الدستورية التي يفرضها القانون الأول على حرية الصحافة. ولاستعراض هذه القيود التي يفرضها المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979، نتعرض لبعض الأحكام التالية لهذا القانون الأخير، على سبيل المثال لا الحصر:
(1) تنص المادة 25 على أنه في حالة رفض الترخيص بإصدار الجريدة من قبل وزير الاعلام، أو في حالة انقضاء 30 يوماً دون رد، يجوز التظلم إلى مجلس الوزراء من هذا القرار (وليس أمام المحكمة)، ويكون قرار مجلس الوزراء في هذا الشأن نهائياً.
(2) تنص المادتان 16،15 على منح السلطة المطلقة لوزير الإعلام في إصدار قرارات، غير قابلة للمراجعة أو الطعن عليها، يمنع بموجبها تداول أية مطبوعات في البلاد، سواءً صدرت في الداخل أو من خارج البلاد، إذا تضمنت هذه المطبوعات الممنوعات المبينة في هاتين المادتين.
(3) تنص المادة 34 على إلغاء ترخيص الجريدة تلقائياً وذلك بقرار يصدره وزير الإعلام في حالة حدوث المخالفات الخمس التي تنص عليها فقرات هذه المادة. وعليه، لا يوجد أي خيار لمالك الجريدة – الذي لم يطلب إلغاء الترخيص بإرادته الحرة – في الطعن أمام القضاء في قرار إلغاء الترخيص الصادر من وزير الإعلام، أو حتى التظلم من هذا القرار إمام مجلس الوزراء.
(4) تنص المادة 57 على أنه يجوز بقرار صادر من مجلس الوزراء – بناءً على طلب من وزير الاعلام – تعطيل الجريدة لمدة لا تتجاوز سنتين، أو إلغاء ترخيصها للأسباب المرسلة المبينة في هذه المادة التي تتضمن عبارات عامة وفضفاضة. كذلك تنص هذه المادة على سلطة وزير الاعلام في أن يصدر قراراً بوقف إصدار الجريدة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ولكن تجيز هذه المادة لمالك الجريدة بِأن يتظلم من قرار التعطيل أو الإلغاء أو الوقف للجريدة أمام مجلس الوزراء. ولكن قرار مجلس الوزراء بشأن هذا التظلم نهائي وغير قابل للطعن عليه أمام القضاء.
(5) فيما يتعلق بالترخيص لمراسلي الصحف أو المجلات أو وكالات الأنباء والإذاعات الأجنبية في ممارسة عملهم في البحرين، تمنح المادة 64 من القانون، لمجلس الوزراء سلطة «سحب الترخيص الممنوح» لأي من المراسلين المذكورين أعلاه إذا تبين لوزير الإعلام «بأن الأخبار التي نشرها تنطوي على مبالغة أو اختلاق أو تضليل أو تشويه» للوقائع. ولا تسمح هذه المادة للمراسل الذي سحبت منه رخصة العمل في البلاد بأن يطعن في قرار مجلس الوزراء أمام القضاء.
ومن هذه المقارنة بين المرسوم بقانون بشأن المطبوعات والنشر لسنة 1979 والمرسوم بقانون بشأن الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002، يتبين لنا أن القانون الأخير قد جعل كل قرارات وزير الإعلام فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا القانون، خاضعة للطعن عليها أمام القضاء، وبالذات امام المحكمة الكبرى المدنية. كما أن هذا القانون أزال سلطة مجلس الوزراء في نظر التظلمات التي تقدم إليه من قبل المتضررين من قرارات وزير الإعلام في شأن ممارسة صلاحياته المقررة له بموجب هذا القانون.
3- وبالرجوع إلى المرسوم بقانون لسنة 2002 موضوع هذا البحث، يتبين لنا أن هذا القانون قد أثار جدلاً شعبياً، وضمن مختلف الهيئات الصحافية المحلية، واسع الانتشار نظراً لما يتضمنه من تقييد كبير على حرية الصحافة والطباعة والنشر، إذ اعتبر مخالفاً ومجهضاً للحقوق والحريات العامة وحرية الصحافة والنشر خصوصاً حتى في ظل دستور المملكة الحالي. ويبدو أن هذا المرسوم بقانون قد ضيّق كثيراً على الحريات الصحافية بمختلف أشكالها وذلك بالمخالفة لنص المادة 31 من الدستور التي أكّدت على أن «لا ينال تنظيم الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور، من جوهر الحق أو الحرية». ذلك أن هذا القانون تجاوزت أحكامه من مجرد تنظيم الحقوق والحريات العامة إلى المس بجوهر الحق أو الحرية التي تشير إليها هذه المادة الدستورية.
ويكفي أن نبين عموماً بأن خطورة المرسوم بقانون لسنة 2002 تكمن – على وجه الخصوص – في تقرير المسئولية الجنائية لرئيس تحرير الصحيفة ومحرريها وغيرهم عما يكتب فيها وما يطرح فيها من آراء حرة. وتترتب على هذه المسئولية الجنائية عقوبة الغرامة أو السجن أو العقوبتان معاً، الأمر الذي يتعارض مع أحكام المادتين 23 و24 من الدستور اللتين تكفلان حرية الرأي والبحث العلمي وتضمنان لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما. ناهيك أن هذا القانون يتضمن النص على الإحالة إلى قانون العقوبات بشأن تقرير المسئولية الجنائية لرئيس تحرير الصحيفة على ما يكتب أو ينشر في الصحيفة من آراء وأفكار ليست صادرةً من رئيس التحرير نفسه، وذلك على أساس مسئوليته الافتراضية باعتباره رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت الرأي أو الخبر المعترض عليه.
وقد استجابت الحكومة بشكل محدود إلى الاعتراضات الشعبية على هذا المرسوم بقانون لسنة 2002، وتقدّمت ببعض التعديلات عليه إلى مجلس النواب في شكل مشروع قانون التعديل على المرسوم بقانون سنة 2002 الذي قدم لمجلس النواب في سنة 2008، كما أسلفنا. ولكن الحكومة اضطرت خلال السنوات التالية لسنة 2008، بأن تسحب مشروع قانونها بالتعديلات على المرسوم بقانون الصحافة لسنة 2002 وذلك نتيجة للاعتراضات المكررة الموجهة إلى مشروع قانون الحكومة بشأن التعديلات المقترحة على المرسوم بقانون بشأن الصحافة لسنة 2002 سيء السمعة، سواءً من قبل أعضاء الكتلة النيابية لجمعية الوفاق الوطني الاسلامية التي كانت وحدها – من دون الكتل النيابية الأخرى – تمثل المعارضة السياسية في المجلس، أو من قبل الصحافيين والجسم الصحافي عموماً من الخارج.
وبناءً عليه، وبعد أن سحبت الحكومة من مجلس النواب مشروع قانون التعديل على المرسوم بقانون بشأن الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002، خلال السنوات اللاحقة لسنة 2008، لم يبق على جدول أعمال هذا المجلس خلال السنوات الطويلة الماضية سوى الاقتراح بقانون الصحافة المقدم من مجلس الشورى ربما منذ سنة 2004. ولكن مجلسي النواب والشورى لم يتوليا مناقشة هذا المشروع أثناء فترة غياب أي مشروع قانون آخر بديل مقدم من قبل الحكومة، بعد أن سحبت مشروعها بشأن التعديل على قانون الصحافة لسنة 2002 من المجلسين. وقد مضت الأن عشر سنوات (ونحن الآن في الفصل التشريعي الثالث) ولكن كلا من مجلس النواب والشورى قد ظل عاجزاً خلال هذه الفترة الطويلة من التقدم باقتراح قانون بديل ينظم سياسة الصحافة والطباعة والنشر على أسس عادلة تتفق ومبادئ حرية الرأي والتعبير المقررة دولياً، ليحل محل المرسوم بقانون الحالي سيء السمعة محلياً ودولياً. والسؤال الذي يطرح هنا هو: لماذا ظل مجلس النواب المنتخب بالذات عاجزاً خلال عشر سنوات مضت، دون أن يبادر باقتراح قانون من الأهمية بمكان في مجال تنظيم حريات الفكر والرأي والتعبير، كقانون الصحافة والطباعة والنشر، بينما ظل خلال ثلاثة فصول تشريعية يعتمد كلياً على مبادرات حكومية تقدم له الحكومة بموجبها تشريعات في شكل مشاريع قوانين، وأحياناً في شكل مراسيم بقوانين وكأنه غافل عن ممارسة اختصاصه الأساسي في التشريع؟
وإذا كانت الحكومة قد وعدت رئيس مجلس النواب منذ شهر مايو 2012، بتقديم مشروع قانون جديد للصحافة لعرضه على مجلس النواب، فإن هذا يعني نسخ وإلغاء الاقتراح بقانون الصحافة المقدم من قبل مجلس الشورى في سنة 2004، كما أسلفنا، الأمر الذي سيريح مجلس نواب ما بعد الانتخابات التكميلية – الخالي تماماً من نواب يمثلون المعارضة – من الضياع في لجة نقاش بيزنطي بشأن إعداد مشروع قانون بتنظيم الصحافة هو غير قادر على إعداده بنفسه لقلة خبرته ومحدودية صلاحياته التشريعية الدستورية التي لا ينهض للدفاع عنها لأنه ربما لا يزال مقتنعاً بها وراضياً عنها؟