هذا نداء نوجهه الى الجميع.. نوجهه الى جميع الاساتذة والاخوة والزملاء في كل اجهزة الاعلام واولها الصحافة، والى خطباء المساجد والائمة وجميع رجال الدين، والى المسئولين في الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والى كل مشتغل بالشأن العام. ندعو الى التوقف نهائيا عن استخدام هذه التعبيرات، في أي مناسبة، وفي أي سياق ايا كان.
نعني تعبيرات من قبيل "الشارع السني" و"الشارع الشيعي"، و"الكتلة السنية" و"الكتلة الشيعية" و"النواب الشيعة" و"النواب السنة"، و"الجمعيات السياسية السنية" و"الجمعيات السياسية الشيعية"، و"القوى السنية" و"القوى الشيعية".. وما شابه ذلك من تعبيرات.. وما اكثرها كما نعلم.
هذه الظاهرة تمثل ظاهرة خطيرة في العمل الوطني.
والحادث للأسف الشديد، هذه التعبيرات ومترادفاتها الكثيرة اصبحت – كما نعلم جميعا – شائعة، ويجري استخدامها بشكل مكثف واعتيادي في الاونة الاخيرة، وخصوصا مع حملة الانتخابات الاخيرة وبعدها. اصبحت هذه تعبيرات يستخدمها الكتاب في مقالاتهم والصحف في تغطياتها الاخبارية، والمسئولون في بعض الجمعيات ورجال دين.. الخ. قبل كل شيء، هذه كلها تعبيرات زائفة مضللة لا علاقة لها بالواقع الفعلي الاجتماعي والسياسي في البحرين.
في البحرين ليست هناك شوارع سنية ولا شوارع شيعية. هناك شوارع بحرينية سكانها بحرينيون. واقصد هنا المعنى الحرفي المباشر والمجازي في نفس الوقت.
في البحرين نواب للشعب، يمثلون كل الشعب واختارهم الناخبون على هذا الاساس، لا لكي يكونوا نوابا للشيعة او للسنة وحدهم.
والجمعيات السياسية لم تنشأ كي تكون جمعيات طائفية تمثل هذه الطائفة او تلك بشكل حصري. هي جمعيات سياسية بحكم الدستور والقانون بحرينية المفروض ان تعبر عن طموحات ومطالب كل الشعب. وبعيدا عن الاعتبارات الدستورية والقانونية، ليس بمقدور أي جمعية سياسية عمليا ان تزعم انها تحتكر تمثيل طائفة بعينها او التعبير عنها. ولا علاقة لهذا بالخلافات في البرامج وفي الرؤى والمواقف بين مختلف الجمعيات.
صحيح.. لا احد ينكر ان هناك حالة من الاحتقان الطائفي نعيشها.. لا نستطيع ان ننكر ان هناك حالة من الاصطفاف الطائفي في المجتمع نعرف جميعا مظاهرها وابعادها. لكن هذه اولا حالة نزعم انها لا تمثل ابدا شعب البحرين.. هي حالة سياسية وليست اجتماعية.. هي حالة اوجدها واججها الساسة من مختلف الجمعيات والانتماءات السياسية.
في البحرين، لا يوجد شعب طائفي. يوجد ساسة وافراد طائفيون.
في البحرين شعب واحد.. مشاكله واحدة وتطلعاته واحدة في العيش المشترك الآمن. وفي الآونة الاخيرة مثلا تزايدت اعداد الزيجات المشتركة بين الطائفتين على نحو ما نتابع.
والواجب الوطني يفرض على كل عامل في مجال الاعلام، وكل مشتغل بالشأن العام في أي موقع كان، وسواء كان مسئولا او غير مسئول، ان يتصدى للحالة الطائفية السياسية بكل ما يملك من امكانية وقدرة، وبأي سبيل يستطيع.
الواجب الوطني يفرض على كل ابناء الوطن بلا استثناء ان يتكاتفوا وان يوحدوا جهودهم من اجل مواجهة هذه الحالة الطائفية.. من اجل التحذير من خطرها.. من اجل تجاوزها.. من اجل تكريس الوحدة الوطنية والتآلف الوطني.
لسنا بحاجة الى تذكير الكل هنا بما يجري حولنا في المنطقة كلها. نحن ازاء مشاريع خارجية خبيثة مجرمة تريد ايقاظ الفتن الطائفية في كل دولنا العربية.. تريد تمزيق مجتمعاتنا العربية وشق صفوفها وتحويلها الى طوائف متناحرة.. تريد تقسيم دولنا العربية نفسها. نحن ازاء مشاريع اجنبية مدروسة بعناية ومخطط لها.
على ضوء هذا، من الواجب ان ننبه الى الخطورة البالغة التي ينطوي عليها استخدام هذه التعبيرات الطائفية وشيوع استخدامها على النحو الذي نراه.
صحيح.. نعلم ان الذين يستخدمون مثل هذه التعبيرات يفعلون هذا في الغالب الاعم بحسن نية، ومن دون ان يرد في ذهنهم بالضرورة تعمد الاضرار بالمصلحة الوطنية العامة. لكن كم من الويلات يمكن ان تنجم عن حسن النية، او بتعبير ادق عن الغفلة.
الحادث هو ان استخدام هذه التعبيرات بشكل اعتيادي ودائم ومتكرر في الخطاب الاعلامي والسياسي في المجتمع يلعب دورا لا يستهان به في تكريس خطاب طائفي مقيت، وفي مفاقمة حالة الاحتقان الطائفي لا تجاوزها.
المسألة هنا ليست مسألة لغوية شكلية تتعلق بمجرد استخدام الفاظ وتعبيرات بغض النظر عن السياق الذي تستخدم فيه. المسألة تتعلق بالوعي العام الذي يكرسه شيوع استخدام هذه التعبيرات والالحاح عليها مرارا وتكرارا في الخطاب الاعلامي والسياسي والديني.
المسألة هنا باختصار ان هذا يكرس في الوعي العام – عن قصد او من دون قصد لا يهم – روح الانقسام والتشرذم لا روح الوحدة والتآخي. يكرس وعيا عاما يتعلق بمشاريع طائفية لا مشروع توحيد وطني.
الالحاح على استخدام هذه التعبيرات يعطي الانطباع العام بأن القوى السياسية في المجتمع ما هي الا قوى متناحرة وعلى اساس طائفي لا اساس غيره. وهذا ليس صحيحا. مع الاعتراف بأن الخلافات الطائفية بين الجمعيات والقوى السياسية هي احد ابعاد الخلافات.
الاخطر من هذا.. الأخطر من تكريس التناحر بين القوى السياسية على اساس طائفي هو نقل هذه الحالة الى الشارع.. الى الوعي المجتمعي العام. بمعنى تصوير الحالة الطائفية كما لو كانت حالة مجتمعية عامة متأصلة. فبدلا من الحديث عن جمعيات لها توجهات طائفية وعلى اسس سياسية، يتم تصوير شوارع البحرين كما لو كانت هي في الاصل شوارع طائفية مقسمة ما بين "شارع سني"، "شارع شيعي".
اذن، فإن الاعتياد على استخدام مثل هذه التعبيرات حتى لو كان من غير قصد اوسوء نية، فإنه لا يمكن ان يكون تصرفا مسئولا، سياسيا واجتماعيا ووطنيا.
وعلى وجه اليقين، لا يمكن ان يكون هذا منسجما مع روح واهداف وغايات المشروع الاصلاحي الديمقراطي.
ينبغى الا يغيب عن بال احد ان جلالة الملك حين اطلق هذا المشروع اطلقه كمشروع توحيدي ينهض بالوطن بجميع ابنائه على اساس وطني موحد لا على اساس طائفي او تقسيمي.
وخلاصة ما نريد ان نصل اليه اذن هو ان شعار "الشوارع بحرينية" بمعناه التوحيدي الوطني الشامل والجامع ينبغي ان يكون هو الشعار الذي يتمثله الجميع روحا ونصا حين يكتبون او يتحدثون عن أي شأن عام.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.