علي محمد فخرو
في كثير من الدول الديمقراطية العريقة ينجح أحد الأحزاب في الحصول على غالبية برلمانية تؤهِّله، قانوناً، لتأليف الحكومة والسيطرة على أغلب وزاراتها. وبعد فترة قصيرة، يدعى المواطنون لانتخاب رئيس للدولة فينجح رئيس ذلك الحزب في هذه الانتخابات وتكون المحصِّلة النهائية سيطرة ذلك الحزب، من خلال انتخابات نزيهة وضمن قوانين البلاد الديمقراطية، على السلطتين التشريعية والتنفيذية وعلى رئاسة الدولة بكل ما تتمتع به الأخيرة من نفوذ ومكانة وسلطات.
يحدث ذلك كثيراً فلا تقوم الدنيا ولا تقعد في تلك البلدان خوفاً على مصير الحياة السياسية فيها، ولا تسمع وَلْوَلاَت الخوف من انزلاق مجتمعات تلك البلدان نحو الدكتاتورية ونحو هيمنة أقلية حزبية على مستقبلها. ذلك أن الناس في تلك البلدان يعرفون جيداً أن برامج الأحزاب السياسية والاقتصادية يسهل تنفيذها بيسر وسرعة معقولة إذا تبنَّتها البرلمانات والحكومات ورئاسة الدولة في آنٍ واحد وإذا غابت الصٍّراعات بين السلطات الثلاث تلك.
على ضوء حدوث تلك الظاهرة مراراً وتكراراً في مختلف البلدان الديمقراطية يحق لنا أن نطرح السؤال الآتي: ما المشكلة وما الخطر وما العيب السياسي لو أن انتخابات الرئاسة المصرية القادمة انتهت بفوز مرشح الإخوان المسلمين، وبالتالي أصبح حزبهم يسيطر على مؤسسات السلطة الثلاث، البرلمان والحكومة ورئاسة الدولة؟ لماذا العويل والصَّخب والخوف من المستقبل الذي يسمعه ويشاهده ويقرأه الإنسان عبر وسائل الإعلام ليل نهار، لكأن الذي يحدث في مصر بدعة وهرطقة تتناقض مع الممارسة الديمقراطية، وبالتالي ستهدِّد ثورة شعب مصر؟
ومع ذلك، وبعيداً عن الانحيازات الإيديولوجية، إذا إنني شخصياً كنت أفضل نجاح المرشَّح القومي العروبي اليساري الممثِّل بصورة أكبر لآمال وتطلعات شباب الثورة، دعنا نذكَّر أنفسنا بالمعطيات التالية:
أولاً/ لقد آن الأوان أن نثق في التحوُّل الوجداني والذًّهني الكبير الذي أوجدته ثورات الربيع العربي في المواطن العربي العادي، وبالتالي في الشعوب العربية. لقد كسر حاجز الخوف التاريخي وأضعفت مشاعر وعادات اللامبالاة نحو القضايا المجتمعية وأصبح قسم لا يستهان به من المواطنين يشعر بمسئوليته الشخصية تجاه نجاح ثورات الكرامة والحرية والعدالة وتجاه إفشال الثورات المضادة على يد بقايا أنظمة الاستبداد السابقة.
إن شعب مصر الذي قدَّم التضحيات الجسام كفيل بأن لا يتركها تذهب سدى وقادر على أن يعود إلى الشوارع والسَّاحات ليحمي ثورته من السَّرقة أو الانحراف. إنه أهَّلته ثورته لأن يحكم مستقبلاً على قياداته السياسية من خلال إنجازاتها الوطنية والقومية والمعيشية وليس من خلال مدى ترديدها لشعاراتها الدينية أو الأخلاقية المثالية. ولنا في خروج آلاف المتظاهرين منذ بضعة أيام في شوارع عاصمة المملكة المغربية احتجاجاً ومحاكمة لحكومة حزب إسلامي، لنا في ذلك دليل قاطع بأن الناس لن يتعاملوا بعد الآن مع دور دينهم الحنيف من خلال شعارات مرفوعة وإنما من خلال منجزات ملموسة في واقعهم المعيشي والتنموي والوطني – القومي.
ثانياً/ لا يوجد مبَّرر لظن بعض المدَّعين بأن مستوى الفهم السياسي عند الأحزاب الإسلامية متخلف وغير قابل للتعلم من عبر التاريخ. يكفي أن تتمعَّن قيادات تلك الأحزاب في ما آلت إليه الأحزاب العربية بشتّى أشكالها وأطروحاتها، من تراجع مفجع في مكانتها ومدى التفاف الجماهير من حولها، وذلك عندما مارست كل أنواع الالتفاف على مبادئ ومناهج الديمقراطية الحقة بانتهازية بليدة… يكفي التمعُّن في عبر ذلك التاريخ الذي لايزال ماثلاً أمامنا حتى تعرف تلك القيادات كيف تجنِّب نفسها الوقوع في المطبّات نفسها.
ذلك أن أحاسيس الحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية عند الجماهير ستحاسب وستنتصر في النهاية، وهذا نهج تاريخي صارم عبر مسيرة الإنسانية.
مثلما أن تعديل أخطاء مسار الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية، فكذلك النهج نفسه مع الثورات. إن الجواب على عثراتها هو توفُّر المزيد من ألق وروح وإمكانيات الثورة لدى المواطن العادي. لا خوف على ثورة مصر، إنها ستشقُّ طريقها.