عيسى سيار
لقد ألقى مشروع الاتحاد الخليجي الذي تدارسته مؤخراً دول مجلس التعاون الخليجي بظلال قاتمة من جديد على العلاقة بين دول المجلس وإيران، وانكشفت العلاقة الهشة والمتأزمة أصلاً بين الطرفين. وانفتح الجرح البحريني الإيراني والذي ما أن يكاد يندمل ويجف حتى يعود جرحاً طرياً مؤلماً لمشاعر أهل البحرين. كما كشف مشروع الاتحاد الخليجي زيف ادعاءات العديد من المسئولين الإيرانيين بالنسبة لتأكيدهم المستمر على استقلالية وعروبة البحرين، حيث أخرجت حناجر بعض السياسيين الإيرانيين ما يدور في صدورهم.
وهنا نستحضر ما قاله النائب البرلماني علي شهريارى مؤخراً من «أن البحرين المحافظة رقم (14) حتى قبل استقلال البحرين العام 1971»، وهذه ليست المرة الأولى التي يجاهر بهذه الادعاءات الكاذبة مسئول إيراني فقد خرجت تصريحات علنية في فترات سابقة ومنذ العام 1971 لمستشارين في منظومة الحكم في إيران وكتاب وزعماء دينيين.
إن منظومة الحكم في إيران بهذه الادعاءات والمزاعم الباطلة والعديد من الممارسات على أرض الواقع والمتمثلة في زيارة الرئيس الإيراني لجزيرة أبوموسى الإماراتية، ومحاولة تصدير الثورات والملف النووي العسكري وغيرها من سلوكيات وأفعال تثير الشك والريبة في صدق نوايا النظام الإيراني وتوجهاته تجاه الأمة العربية بشكل عام والدول العربية الخليجية بشكل خاص. كل تلك الأفعال لا تجلب لنظام الحكم في إيران إلا المزيد من العداوة والكراهية من قبل الشعوب العربية.
إن الشعب البحريني مطالب بمكونيه الشيعي والسني أن يلتحم كما التحم في 1971 وأن يقف وقفة رجل واحد أمام الأطماع الايرانية، وأن لا يدع أيادي خارجية أو داخلية تعمل على نشر بذور الفتنة المذهبية بين جنباته.
إن الشعب البحريني بكل أطيافه ومكوناته وبعد حراك فبراير/ شباط 2011 يقف اليوم أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر، وتتمثل في أن يقوم بحراك وطني يوجّه من خلاله رسالتين قويتين الأولى للداخل البحريني وتقوم على أن النظام السياسي مطالب اليوم وليس غداً بإحداث إصلاحات راديكالية في المنظومة السياسية برمّتها، أي دور وصلاحيات واستقلال السلطات الثلاث… إصلاحيات ترقى إلى طموح وتضحيات الشعب البحريني، وذلك حتى لا يتم تدويل ملف الإصلاحات السياسية في البحرين. والرسالة الثانية إلى الخارج وتقوم على أن الإصلاح والتطوير السياسي هو صناعة بحرينية بامتياز، وأن دولة البحرين سيدة قرارها في علاقاتها بالدول والمنظمات.
وإذا تعتقد منظومة الحكم في إيران بأنها بأفعالها تلك ستظهر بمظهر المدافع عن ثورات الشعوب العربية فإنها واهمة، لأن الدول العربية لن تقبل بأن تستخدم إيران الربيع العربي كمطية لتحقق أجندتها في التمدد الجيو سياسي مذهبي داخل الدول العربية. كما أن موقف إيران المعارض للثورة السورية وطموحات الشعب السوري في الحرية والعدالة والمساواة لا يتسق إطلاقاً مع مواقفها المساندة لثورات الربيع العربي الأخرى، وهذا يأخذنا إلى حقيقة مفادها بأن إيران البرغماتية لا تحركها مبادئها تجاه الشعوب الراغبة في الإصلاح وإنما مصالحها!
إن إيران ومنذ قيام الثورة الإسلامية فيها في نهاية السبعينيات لم تهدأ ولم تستكن، وتحاول التركيز على بناء وتنمية إيران الداخل ووضع حلول ناجعة للمشاكل المعيشية التي يعاني منها الشعب الإيراني، بل سعت سعياً حثيثاً لتصدير نموذج الثورة الإيرانية القائمة على مبدأ ولاية الفقيه إلى دول الجوار وغيرها. وكلنا نذكر أحداث الحج التي أثارها الحجاج الإيرانيون في الثمانينيات من القرن الماضي! فمنظومة الحكم في إيران لم تقدم حتى الآن أي بادرة حسن نية تذكر لدول الخليج العربية. فاحتلالها للجزر العربية الاماراتية مازال مستمراً رغم أن احتلال الجزر حصل في عهد حكم الشاه، وكنا نتوقع انسحاب إيران الثورة من الجزر ولكن يبدو لنا بأن عقلية منظومة الحكم في إيران مهما اختلفت طرائقها في الحكم فهم يحملون جينات الإمبراطورية الفارسية التوسعية البائدة. كما أن المسئولين الإيرانيين لم يكفّوا قط عن المجاهرة ليل نهار بأن البحرين محافظة إيرانية. أضف إلى ذلك الملف الإيراني النووي العسكري المريب والمثير للخوف والقلق والجدل والذي يهدد المنطقة ليل نهار بأخطار الحرب أو التسرب الإشعاعي النووي كالذي حصل في مفاعل فوكو شيما في اليابان وتشرنوبل في روسيا!
إن الشعوب العربية وبشكل عام والشعب البحريني بشكل خاص ليس لديهم أدنى مشكلة مع الشعب الإيراني الشقيق، ولكن على أولي الأمر في إيران أن يعلموا جيداً بأن الشعب البحريني العربي المسلم لم ولن يقبل بأي حال من الأحوال بأن يدار بالروموت كنترول من طهران. والشعب البحريني الذي التحم بمكونيه الشيعي والسني العام 1971 وصوّت للعروبة واستقلال البحرين يقولها المرة تلو المليون لمنظومة الحكم في إيران إننا شعب عربي مستقل وسيادة البحرين دونها الأرواح وسنصنع الإصلاح السياسي ونحقق الديمقراطية التي يستحقها الشعب البحريني المناضل بأيادٍ وعقول وقلوب بحرينية خالصة.
إننا ضد الظلم والاستبداد والفساد، ولكننا لن نقبل بحكم شمولي عقائدي، فالشعب البحريني بأكمله مع دولة مدنية تعددية ديمقراطية.
إن على حكام إيران أن يفهموا اليوم قبل الغد بأن الشعب البحريني الذي ذاق طعم الحرية والديمقراطية والتعليم والتحضر منذ فجر التاريخ، وهنا نقصد منذ الحضارة الدلمونية أي ما قبل الميلاد، لا يقبل أن يكون إمّعة أو مطية لأحد كائناً من كان. ولا يقبل لأحد كائناً من كان أن يتدخّل في شئونه سواء كان من الغرب أو الشرق. فالشعب البحريني هو من يقرّر مصيره السياسي لأنه سيد قراره. إن الشعب البحريني شعب مقاوم للقهر والاستعلاء والاستبداد، ومتعطش وعاشق للحرية والعدالة والمساواة. لا يريد أحداً أن يزايد على عروبته. إن الشعب البحريني لن يقبل أن يستخدم كورقة في الرهانات الإقليمية والدولية. نحن يا من يعنيكم الأمر لسنا ورقة من أوراق اللعب (البتة). نحن شعب صنعنا ومازلنا نضع حضارتنا بأيدينا. إن على حكام إيران وغيرهم من الحكام أن يدركوا أن الشعب البحريني عربي العقل والقلب والهوى، وأن الرسالة التي أرسلها الرسول الأعظم لحكام فارس أرسلها باللغة العربية وأن القرآن الكريم دستور الأمة الإسلامية أُنزل وكُتب وقُرئ ونشر بلغة الضاد أليس كل هذه عبرة لمن لا يعتبر… فمن يرفع الشراع؟