عيسى سيار
بغض النظر عن ما رفع من شعارات في دوار مجلس التعاون/ اللؤلؤة سابقاً (تقاطع الفاروق حالياً)، وكذلك بغض النظر عن ما رفع من شعارات في تجمع الفاتح، وإن تقاطعت أو تنافرت أو اتفقت أو اختلفت تلك الشعارات، فإنه ومن خلال رصدي ومتابعتي للحراكين (في اللؤلؤة والفاتح)، فإن الشعب البحريني يتفق على 80 في المئة تقريباً من المطالب التي رفعها للإصلاح، وهذا باعتراف قيادات الحراكين.
إذن الشعب البحريني متفق بمكونيه السني والشيعي على أن هناك خللاًً سياسياً ما في مكان ما يتوجب إصلاحه وفي أقرب الآجال، لأن إصلاح هذا الخلل والذي سنتعرض إليه في سياق مقالنا، من شأنه أن يجعل البحريني يعيش مرفوع الرأس، كرامته مصانة وحاضره ومستقبله وأسرته في أيدٍ أمينة. إذن على ماذا الاختلاف يا أهل «الديرة»؟
ان مطالب الشعب البحريني في العيش الكريم مشروعة ومستحقة ويكفلها دستور 2002 كما كفلها دستور 1973، كما أن مطالبه بأن يحظى بحكومة توافق وطني يعين ملك البلاد رئيسها ويوافق البرلمان على وزرائها وأن يحظى ببرلمان كامل الصلاحيات يمارس رقابة حقيقية لا شكلية على السلطة التنفيذية، برلمان مستقل في التشريع وسيد نفسه وقضاء مستقل وتوزيع عادل للثروات ليست مطالب تعجيزية أو كفر بربه من يرفعها. هذه المطالب هي أقل ما تقدمه القيادة السياسية للشعب البحريني الذي قدم ومازال التضحيات الجسام من أجل تقدم ورفعة شأن بلده. فالشعب البحريني بكافة مكوّناته مؤهل لأن يمارس الفعل الديمقراطي وأن يكون شريكاً فعلياً لمنظومة الحكم. فالشعب الذي مارس العمل الديمقراطي والعمل الانتخابي منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي، وقاوم المستعمر البريطاني والظلم في بداية الخمسينيات وقدّم كوكبةً من الشهداء وعانى الكثير من نسائه ورجاله الشرفاء من الاعتقال والتعذيب والنفي الى خارج الوطن، هذا الشعب الناكر لذاته والذي بدأ بالتعليم الأهلي قبل أن يبدأ به التعليم الرسمي 1919 وحارب الأمية في الخمسينيات بجهود أهلية تطوعية قبل أن تتسلم الحكومة مهمة ذلك، هذا الشعب الذي يؤشر على علمائه ومثقفيه ومفكريه وأدبائه بالبنان. هذا الشعب الذي عندما تتحاور الشعوب عن الأخلاقيات لا تغيب عن حوارهم أخلاقيات الشعب البحريني الراقية. إذن هذا الشعب بكل هذه العراقة والإرث السياسي والثقافي والاجتماعي، هل نطق كفراً عندما طالب بأن يكون شريكاً حقيقياً لا صورياً في منظومة الحكم؟
وبعد هذه الاضاءة المشرقة التي قمنا من خلالها بتسليط الضوء على جزء من تاريخ الشعب البحريني العظيم الذي كتبه بدمائه وعرقه بحروف من نور، نوجه تساؤلاتنا المشروعة إلى من يهمه أمر هذا الشعب؟
هل كثيرٌ على الشعب البحريني أن يحظى بحكومة تحقق مطالبه المعيشية العادلة في السكن والعمل والصحة والراتب المجزي الذي يحفظ كرامته، وحكومة يختار وزراءها الشعب البحريني من خلال مجلس النواب ويخضعون للمساءلة إذا ما تمت إدانتهم بتقصير أو سوء استغلال للسلطة. وزراء يتفرغون للعمل العام ولا يفكرون بكيفية ضمان أن يصبحوا من أصحاب الملايين بعدما تتم إقالتهم من منصبهم! فمتى نحظى بحكومة يشارك الشعب في تشكيلها؟
هل كثيرٌ على الشعب البحريني أن يحظى ببرلمان كامل الصلاحيات، يمثل الشعب تمثيلاًً حقيقياً، لا برلماناً يصل نوابه من خلال تزوير الإرادة الشعبية؛ برلمان لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يُدار نوابه عن بعدٍ بالروموت كنترول، ويكون قادراً على إيقاف التلاعب بالمال العام والمخزون الاستراتيجي لأراضي الشعب، ويحوّل تقارير ديوان الرقابة من أقوال إلى أفعال، فمتى نحظى بمثل هذا البرلمان؟
هل كثيرٌ على الشعب البحريني أن يحظى بقضاء مستقل وقضاة يدعون ربهم ليل نهار قائلين «اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه»، ونيابة عامة تعمل بإرادة مستقلة وتنتصر للمظلومين وتحارب الاستيلاء غير المشروع على المال العام. الشعب يريد قضاءً يقف أمامه البحرينيون سواسيةً، بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية أو الأسرية أو مستوياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية.
هل كثيرٌ على الشعب البحريني أن يحظى بإعلام مرئي ومقروء ومسموع، يطرح الرأي والرأي الآخر. إعلامٍ نزيه وشفاف لا يصطف مع النظام اصطفافاً أعمى، إعلامٍ لا يدار من خلال أهواء ومصالح، وتحسب له السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ألف حساب، إعلامٍ لا يقوم على المحاصصة والمنافع الشخصية، إعلامٍ فيه مؤسسات نقابية تمثل من ينتمي إليها تمثيلاً حقيقياً لا من خلال جمعية تعبّر عن ما يُملي عليها من قبل النظام. الشعب لا يريد إعلاماً قالت عنه «لجنة بسيوني» انه يساهم في التحريض والاحتقان السياسي والمذهبي. الشعب يريد إعلاماً يستحق أن يطلق عليه بحق «السلطة الرابعة».
وفوق كل هذا وذاك، هل كثير على الشعب البحريني الذي قاوم المستعمر والظلم والاستبداد والتحم مع منظومة الحكم عند المنعطفات التاريخية، أن يحظى بعدالة في الاستماع إلى همومه ومشاكله، وفتح القلوب قبل الأبواب له من أجل إزالة الظلم والغبن الذي وقع عليه لسنوات طويلة. الشعب يريد العدالة والمساواة في توزيع الثروات سواءً كان المال العام أو الأراضي أو البيوت أو الرواتب. الشعب يريد تقدير المتقاعدين الذين قدّموا الغالي والثمين لوطنهم، لا أن يتم رميهم إلى المجهول ومصيرهم المحتوم براتب بخسٍ «دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين»!
هل ما يطلبه الشعب البحريني العظيم كثير؟ لا والله، إنه قليلٌ، فهي مطالب وردت في كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية. إن هكذا شعباً عظيماً يجب أن يفتدى بالغالي والنفيس، لا أن نبيعه بأبخس الأثمان. فالشعب البحريني يريد أن يعيش مرفوع الرأس لا مكسور الظهر… فمن يرفع الشراع!