الشاعر العراقي رعد بندر : لا يرجفُ الجذع ُإن َّالراجف َالسَعَـفُ
الشاعر العراقي رعد بندر
ألقيت القصيدة في الأمسية التي أحياها الشاعر
في جامعة السلطان قابوس في الذكرى السادسة لاحتلال العراق
إهْـدَأ ْ، فأَرْضُـك َهـذي حـيـثـما تَـقِـفُ
وَإِنـَّــه ُشَــــرَف ٌمَــا بـعْـــدَهُ شـَـــرَفُ
إهــدَأ ْ، وَلَـوِّحْ لأَرْض ٍقـدْ نـزلت َبهـا
حَـتـى لأَوْرَقَ في أَضْــلاعِــك َالأَنَــفُ
ما كـنت ُمرتـجـفا ً، فالنـخــل ُعَـلّـمني
لا يَرْجف ُالجَذع ُإنَّ الرَّاجِفَ الْسَّعَـفُ
* * *
للنـاسِ أَحـزانُهُـم ْقـالوا فقـلت ُ: نعـم ْ
لـكـنَّ حــزن َالعـراقِـيـيـن َمـخـتـلِـفُ
وَمُــدَّع ٍ، خـُـتِـمَـت ْبـالـذل ِّجَــبـهَـتُـه ُ
يَكفيهِ لا عِرْضُه ُعِرْضٌ ولا الشَرَفُ
يـقـول ُقــول َمُــكِـــبّ ٍفـوقَ ذلّـــتِـــه ِ
إن َّالحُـثــالى بعَـار ِالذل ِّقد عُـرفـوا:
صارَ العِرَاق ُ(جَـديـدَاً) قول ملتحِـف ٍ
بعَـارهِ ، بعضُ ما في عارهِ الصَلَفُ
نعَم ْ(جـديـدٌ)! وهذا الموت ُمتحفكُـمْ
والمـيّـتـون َعـلى جـدرانِــهِ التُـحَـفُ
هـما احـتـلالان ِ: هـذا ظـاهـرٌ أشِــرٌ
وذاك َخـافٍ خـطـاهُ اللّيــل ُوَالسُـدُفُ
كِـلاهُـما القـوسُ موتــورٌ بأسـهـمِـهِ
والواتِـرُونَ لَـهُـمْ أجـسَـادُنَـا هَـــدَفُ
وقـدْ يُــظــن ُبـأَنَّ السَـهْـم َمُـنـحَـرِف ٌ
وقـلّـمـا السَهْـم ُعن مـرمـاهُ يَنحَرِفُ
صَـارَتْ مـقـابـرَنَـا الأجـسـاد ُدامِـيَــة ً
مقـوَّسٌ ظـهرُنا ، والدمع ُمرتشـفُ
وليسَ مِـن بَـطَــر ٍصِـرنَـا مَـقــابـِرَنَـا
وفـوقَ أكـتـافِـنَـا الشَـمْـعُ الذي يجفُ
لكـنَّهَا الأَرض ُضـاقـتْ بالقـبُـور ِلـذا
نمشـي قبـوراً على طـابوقِهـا خِسَفُ
تـفـنَّـن َالموت ُفـيـنـا ألــفُ مطـرَقــة ٍ
تهوي ، فكيفَ ستـنجو أَيُّها الخزَفُ؟
أجـسَـادُنَـا نـتَـف ٌ، أعـمـارُنَـا نـتَــف ٌ
أحــلامُـنَـا نـتَــف ٌ، أســمـاؤُنَـا نـتَـفُ
قدْ (حرّرُونا) !! وقال َالقائـلون َلـنـا
(تأمّركوا) وارتدوا التحريرَ والتحفوا
صَــارَ الرّدَاءُ لَـنَـا عُــرْيَـا ًومنقصَـة ً
مهما ارتـديـنـاهُ فالأَجـسـادُ تنكـشِـفُ
حـريّـة ُالعُـهْـر ِذي لـسـنـا بحاجتِـهَـا
فلملموا عُهْرَكُمْ في الأرضِ وَانصَرفوا
* * *
أبـكِـيـكِ بغـــدادُ مأخـوذا ًبعـاصِفـتِـي
غـريـبـة ٌخـطـوَتي وَالأَعْــيُـن ُالذرُفُ
منذ ُافترَقـنَـا رَسَمـت ُالجـرح َنـافـذة ً
والدمـع َطـيـرَاً على أورامِـهـا يَكِـفُ
لا الطـيـرُ عَـادَ ولا ضـوء ٌبـنـافـذتي
أضاءَني ، وَارتدتْ جدرانَها الغُرَفُ
يا نخـلـة َالعـمر ِأيـامي الوَلُــودَة ُقـدْ
هـزَّتـك ِنــادبَـة ًفـاسّــاقــطَ الحَـشَـفُ
ويا عـيون َالمها بين َالرصافـةِ وَالْـ
كرْخ ِالحَزين ِاستعـادَ اللّهفة َاللَّهَفُ
مَنْ علَّـقَ القـيدَ بالحِنَّـاءِ وَالْتَرَفِ الـ
حَـانـي فـغــادَرَكِ الحِـنَّـاءُ وَالتَــرَفُ
فارقـت ُدِفــأكِ معـصُومـا ًبأَغـطِـيتي
ولم ْيزل ْجَسَدي في الأرْضِ يرتَجفُ
يَـرِفُّ ضِلعي رَفيفَ الطـيـرِ تـذبحُـه ُ
سِـكّـيـنُ غـرْبَـتـهِ والمـارد ُالشَـغَـفُ
وَلاصـِقٌ أذنـي في الأفـق ِمـنـتـحِـبـاً
أَعــدّ ُأنـفـاسَــكِ الحــرّى وأقـتطِـفُ
وذكــرَيَـاتِـي حــيــاطــين ٌمـثــقـّـبَــة ٌ
أحـشُـو عيوني بفوضاها وأعتـكِفُ
أقــول ُ: هـل نـلـتـقي بغــدادُ ثـانـيَـة ً
فـلـمْ يُـرحْ منذ ُتــاهَ العاشِقُ الدَنِـفُ
وهـل تـبَـلّـلـنُـي أمـواج ُدَجْــلَـة َهَـل ْ
أَبكي فيمسَح ُدمعِي الطين ُوَالصَدَفُ
قـولـي لمـوتِـكِ لا تَـهْـدَأْ ْوَزدْ عَـنَـتَـا ً
ولتُطـمر ِالأرضُ والأرحَام ُوَالنُطَـفُ
غـدَاً سـيذْكـرُنِي قـومي إذا التـمعَـت ْ
بِيْضُ القـنا وَادّلَـهَـمَّ الليـلُ وَالعُصُفُ
وَيُــؤسَـفـون َأَضَـاعُــونـي مُــدَويَّــة ً
حولي المنايا كخطفِ البرق ِتنخطفُ
يُـمِـيـتُـني أَنْ قـومي الأَقـربـيـن َوقـدْ
أبــاح َهَــدْرَ دَمـي هَــاو ٍوَمُـحْـتَـرِفُ
يُـقـلّـبُـون َمــرايَــا المـوتِ بَـيْــنَـهُــم ُ
وَيَـشـهَـقـون َلِلُـقـيَـا وَاصِـفٍ يَصِفُ
فمائـة ٌقـتِلُـوا .. لا مـائـتـان ِ.. نـعــم ْ
هم ْمـائـتان ِ.. وَلا.. لا قِيـل َهُم ْأ ُلُفُ
صَارَ الخِلافُ على أصفار ِمـيـتـتِـنَـا
وَلا يَـهِـمّ ُأضـافوا الصفرَ أم ْحـذفـوا
* * *
إهــدأ ْ، ولا تـلـتـفِـت ْيـا أيّهـا الكـلِـفُ
سُـرعـانَ ما زَبَـد ُالأمواج ِيـنـجَـرفُ
كل ُالأولى صفقوا كل ُالأولى فرحـوا
كل ُالأولى رقصوا كل ُالأولى هتفوا
عَـضّـوا أصَـابعَهُم ْوالحِـمْـل ُأثـقـلهُم ْ
مضى بـعـيــدا ًبـعـيــداً ذلــك َالكـتِـفُ
لمّا أضاعُوهُ ضاعُوا ويحَهُم ْأمِنوا الـ
أفعى وقدْ جَهلوا الذنبَ الذي اقترفوا
كــأنّـهُـمْ لـمْ يكـونـوا حَــول َقــامَــتِـه ِ
بـيـارقــا ًوَرجَـــالاً بـاسْـمِـهِ حَـلـفــوا
كـأنَّ أقـدامَـهـمْ مـا كــان َمـوضعُهــا
عنـدَ الملاحِم ِمنه ُالأرضُ تنخَـسِـفُ
عندي قـيـامـات ُهَـمّ ٍ، لـوْ أبحت ُبها
لا الحبرُ يكفي لكي أهدَا ولا الصُحُفُ
ولي دمـوعٌ إذا مـا الهُـدْبُ أفـلـتـهَــا
عـلـيـهِ ، منها أكـفّ ُالمـاءِ تـغـتـرفُ
* * *
سَأَصرف ُالحزن َبعضَ الوقتِ مُتّئـِدَاً
وَالحزن ُيُـصْرَفُ أحيانـاً فـيَـنْصَرِفُ
إِهـدَأ ْ، وَلا تـلتـفِـتْ لا تـلتـفِـتْ أَبَــدَاً
فـخـلـفَ ظـهـرِك َنُـشَّـاز ٌبما عـزفـوا
غادَرت ُلكِنَّ صوتي في العِرَاق ِأنــا
نِــدّ ٌلمـوتي وجـرحي فيّ يـنـتـصِـفُ
تـركـت ُفـيـهِ فـرَاغـا ًلـيـسَ تـمـلــؤهُ
فـقـاعَـة ٌ، وَأنــا العـاقـول ُوالحُـتُـفُ
قدْ ظنّ َمَنْ ظنَّ أنَّ الفأسَ في جَسَدِي
يَـلـقى بلحـميَ مـا يرجـو ويـلـتـقِـفُ
ألقوا على هامتي عَـدَّ الحصى سُقفا ً
لِهَـامَـةٍ مِثـلِ ذِي لَنْ تـفـلح َالسُـقـفُ
قـالـوا : تَـبَــرَّأ َمِمَّـا قـال َقـلـت ُدمـي
ياءُ الحروفِ ودمعي الماطِرُ الألِـفُ
وقيـل : أمسى كسـيرا ًصامتـا ًوَجلا ً
صمتي كــلام ٌومن حُـسَّـاديَ الأنَـفُ
وقيـل َ: كان َله ُفي الشِّعْرِ نـارُ قِـرَىً
نـاري بحرفي وَجَمري منه ُيَنْقـذِفُ
وقيـل َ: أَسْـرَفَ في مَدْح ٍفقـلت ُبمَن ْ
أسْرَفت ُطيلة َعمري يُحْمد ُالسَـرَفُ
ونـابـح ٌقـدْ تــوَارَى خـلـفَ قـافِـلـتـي
مـتـى القـوَافِــل ُمـِن جَـرَّائِــهِ تـقِـفُ
يـقـول ُ: فـلْـيـتـأسَـفْ قـدْ نـسَـامِـحـه ُ!
فقـلت ُ: تحتَ حِذائي أنـتَ وَالأسَـفُ
لو كان َمَنْ قـالـها يرقـى لـنـا شَـرَفـا ً
كـنـا هـجَــونَـا ولكـن ْيـأنـفُ الشَرَفُ
وليسَ مِن خُـلُـق ِالصَّقـر ِالمُحلّق ِأَنْ
يَهْوي وَإِنْ جَاعَ ، وَالمرمِيِّة ُالجِيَفُ