د. حسن العالي
ركزت الرؤى الاقتصادية الخليجية جميعها على قطاع السياحة باعتباره يمتلك آفاقا كثيرة لتوسيع دوره في تنويع مصادر الدخل. ثم جاءت موجة تراجع الإيرادات النفطية في منتصف العام 2014 لتطلق بقوة عجلة الإصلاحات الاقتصادية التي شملت هي الأخرى قطاع السياحة مستهدفة إعطاءه دورا أكبر في التوجهات المستقبلية، خاصة في مجال توسيع دور القطاع الخاص وتوليد وظائف للمواطنين، حيث تؤكد البيانات العالمية أن قطاع السیاحة من أكثر القطاعات توفیرًا لفرص العمل الجدیدة للمواطنین.
فعلى سبيل المثال، ركزت الرؤية السعودية 2030 على قطاع السياحة والتراث، حيث بلغت نسبة إجمالي مشاركته في إجمالي الناتج المحلي 8% أو 50.7 مليار دولار في 2015 ومن المستهدف ارتفاعها الى 8.5% أو 62.7 مليار دولار بحلول 2020. كما ان اجمالي قطاع السفر والسياحة ساهم بنسبة كبيرة في التوظيف، حيث بلغ إجمالي مساهمته في التوظيف 11.4% أو 1.3 مليون وظيفة في 2015 ومن المتوقع ارتفاعها الى 12% أو 1.6 مليون وظيفة في 2020. أما خليجيا، وحسب إحصائيات حديثة فان مساهمة السياحة الخليجية في الناتج المحلى الإجمالي تتراوح بحدود 5% في دول مجلس التعاون الخليجي، كما توضح هذه الإحصائيات أن دول المجلس تخصص نحو 380 مليار دولار للمشاريع السياحية حتى عام 2018.
مع ذلك، يمكن القول إن تحديات توسيع دور القطاع السياحي في توفير الوظائف وتنويع مصادر الدخل تواجه تحديات عديدة، حيث إن هناك شبه اتفاق بعدم وصول قطاع السياحة الخليجي إلى إمكاناته الحقيقية حتى الآن؛ نظرا لعدم كفاية المنتجات السياحية وتفاوت جهود التسويق وتشتت الاستثمارات. لذلك، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي اليوم إلى العمل على وجه السرعة لتحسين الخدمات السياحية وبناء المؤسسات ذات الصلة ومواجهة التحديات القائمة.
ووفقا لخبراء، تُعد أفضل طريقة لفهم كيفية تنافس البلدان في استقطاب السياح هي التفكير في السياحة كمنظومة تتألف من ثلاثة أجزاء: المنتجات والخدمات السياحية، وممكنات قطاع السياحة التي تدعم معالم الجذب الطبيعية والأصلية للبلد، وممكنات منظومة السياحة وهي جودة البنية التحتية والأمن والصحة والسلامة وحسن ممارسات الاستدامة البيئية في البلد.
واستطاعت الدول الخليجية الاستثمار في المنتجات السياحية كثيفة رأس المال، ووسعت مطاراتها وترابطها السلس مع الأسواق السياحية الرئيسية، وجاذبيتها القوية كوجهات لسياحة الأعمال، والمرافق الثقافية في المنطقة، والطقس الخلاب للسياح الساعين إلى التمتع بالشمس والشواطئ، وسمعة البلدان من حيث الاستقرار والسلامة. لذلك، فان على دول الخليج القيام بتحديد أبرز الأسواق الجغرافية المستهدفة، وهي العملية التي تنطوي على استبعاد جميع الأسواق السياحية الخارجية التي يقل عدد السياح الوافدين منها عن عدد معين وتبعد مسافة معينة. وبعد ذلك، تقوم بتصنيف الأسواق المتبقية باستخدام خصائص مثل عدد السياح الوافدين من الخارج والنمو المستقبلي المتوقع في عددهم ومتوسط إنفاقهم. وأخيراً، يتم تقسيم كل سوق مستهدف حسب نوع السياح. بعد ذلك تحتاج هذه الدول إلى تحديد أولويات المنتجات، وهذا يعتمد على ثلاثة أبعاد وهي: جاذبية المنتج، أي الإقبال الطبيعي عليه حالياً ومستقبلاً، وجاهزية المنتج، التي يقيس جودة وتنوع المنتجات، والمنافسة، التي تعرض إلى أي مدى تقدم البلدان الخليجية وبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منتجات مماثلة.
وتتيح المعلومات المستخلصة من هذا التحليل للجهات المركزية لتخطيط السياحة اتخاذ قرارات حول المنتجات ذات الأولوية. فبعد أن تقوم البلدان الخليجية بتقسيم شرائح السوق وتصميم منتجاتها السياحية وفقاً لذلك، يتعين عليها اتخاذ قرار حول ماهية المنتجات السياحية الخاصة بها. فهل تروج لنفسها بوصفها وجهة للسياح العرب الوافدين لأغراض الراحة والاستجمام؟ أم تسوق نفسها كوجهة للمغامرات في الهواء الطلق؟ أم تؤكد على ما تملكه من مزايا لاستضافة اجتماعات الأعمال وجاذبيتها للسياح من رجال الأعمال؟
كما ينبغي كذلك إنشاء إطار مؤسسي والتأكد من تركيز الجهة السياحية المعنية على الأمور الصحيحة. وبشكل عام، تتولى الجهة السياحية مسؤولية وضع السياسات وصياغة وتنفيذ الأنظمة واللوائح، وفي بعض الحالات وضعها وتنفيذها. في الواقع، لا يوجد إطار مؤسسي واحد مناسب لجميع الدول. وبينما من المفيد فهم كيف تستخدم البلدان ذات قطاعات السياحة المزدهرة الجهات المركزية، لا يعطي هذا المنظور وحده إجابات قاطعة، حيث يحتاج مسئولو السياحة في الدول الخليجية إلى تطبيق هذه المعلومات على الأطر المؤسسية الخاصة بهم.
ان السياحة تمثل فرصة اقتصادية هائلة للدول الخليجية، حيث تمتلك العديد من الأصول القائمة التي يمكن استغلالها لاستقطاب السياح العالميين، انطلاقاً من المطارات الحديثة إلى الشواطئ الخلابة والمواقع الثقافية والأثرية. وحتى اللحظة الراهنة لم تحول معظم هذه البلدان السياحة إلى صناعة قائمة بذاتها. ومما لا شك فيه أن الوقت قد حان للاستفادة من الاستثمارات الوطنية الكبيرة في البنية التحتية والموارد البشرية للشروع في تطوير قطاع السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي لكي تحقق دورها المنشود في خلق الوظائف وتنويع مصادر الدخل.