هاني الفردان
مر على صدور تقرير ديوان الرقابة المالية ثماني سنوات، ويأتي تقرير هذا العام (تقرير 2011) في نسخته التاسعة (من العام 2003 وحتى الآن) ونحن نشهد كل عام جملة من «المفاسد» المالية والإدارية في مختلف المؤسسات الرسمية.
يأتي تقرير هذا العام بمستوى منخفض قليلاً عن الأعوام الماضية، في كمِّ «الفضائح» الرسمية، والتلاعبات المالية، والتجاوزات الإدارية، إلا أنه لا يمكن التقليل منها أبداً، ولا يمكن التجاوز عنها، أو إغفالها وغضّ البصر عنها. فالفساد فساد، كبر شأنه أم صغر، سواءً كانت بسرقة دينار واحد من أموال أمة أو بهدر ملايين منها.
يأتي هذا التقرير ليضيف لخزينة الانتقادات العامة ملفاً جديداً، يؤكد استمرار جهات رسمية على النهج ذاته من الأداء والتقصير والتخبط والضعف الحكومي، وفي أحيان ليست قليلة تلاعب وفساد (عيني عينك)، ودون استحياء أو خجل أو حتى خوف من تقرير رقابي قد يكشف ذلك! فليس خافياً على أحد تكرار المشاهد ذاتها، والتجاوزات والملاحظات ذاتها في التقارير المتعاقبة ومن الجهات ذاتها، ولسان الحال يقول «قل ما تريد وسنفعل ما نشاء»!
لماذا يخاف أي مسئول أو وزير من تقرير ديوان الرقابة المالية؟ وهو متأكد بأن هذا التقرير لن يكون شيئاً يذكر سوى ليوم واحد سينشر عبر الصحف، ومع كمٍّ كبير جداً من الفضائح والتجاوزات في مختلف المؤسسات من شأنها أن تضيع بعضها البعض.
لماذا سيخاف مسئول من التقرير؟ إذ ما جزمنا أنه طوال السنوات التسع الماضية لم يُحاسب أي مسئول أو وزير على أي فساد في مؤسسته أو وزارته، ولم يُحَل أيٌّ منهم للقضاء، مع عجز المجلس النيابي عن البحث في غمار هذه القضايا سوى في حالات بسيطة وعلى استحياء، مع تهديدات جوفاء وصراخ ووعيد للاستهلاك الإعلامي اليومي غير منقطع النظير، وسمعاً وطاعة من وراء الكواليس.
إذاً، لماذا يخاف المسئول أو الوزير؟ ولماذا يتوقف أو حتى يصلح من أداء مؤسسته أو وزارته؟ إذا أيقن بأن هذا التقرير كتب فقط ليضم للتقارير السابقة في مكتبة الدولة ليكون علامة بارزة على نهج الشفافية والرقابة الإدارية والمالية، وليوزع بغلافه المخملي، وطبعته الراقية في المناسبات الوطنية والمحافل الدولية.
تقرير هذا العام لم يُشِر لشيء يثير قلق الحكومة يستوجبها المحاسبة الحقيقية، سوى إلى وزارة خالفت القانون وتجاوزت مصروفاتها وبملايين الدنانير، وأخرى أهدرت 12.3 مليون دينار بالمحطة المؤقتة للصرف، فيما بررت إخفاقها في جوانب إدارية بـ «السهو والنسيان»!
ماذا يعني أن تعين مؤسسات رسمية أشخاصاً غير مؤهلين، وأرست وزارة مناقصة ضخمة بلا مناقصة، فيما زادت هيئة حكومية رواتب مسئوليها بقرارات غير مدروسة، وشراء سيارات لاند كروزر ونيسان بترول للمحافظين مع صرف علاوة 300 دينار شهرياً للمواصلات؟ وماذا يعني توظيف شركة حكومية كبرى مدرّساً بالصناعي للعمل مهندساً للأصباغ، وكاتبة ببنك مهندسة مخزن، وخريج إنجليزي أخصائي تدريب؟! وأين المشكلة في شراء وزارة هواتف «بلاكبيري» لموظفيها وسداد الفواتير الخاصة بهم من موازنة الوزارة، وعلى نفقة الدولة.
صدق أو لا تصدق أن الفساد والتلاعب بلغ أشده في مؤسسة تعليمية بحرينية أنفق رئيسها التنفيذي أموالاً طائلة من موازنة المؤسسة على رفاهيته الشخصية مع زوجته من سفرات واستجمام ومساج وسيجار وشرب وغيرها.
وأين المشكلة لعدم قيام هيئة رسمية بتوريد فائض موازنتها المعتمدة عن السنة المالية 2010 للخزانة العامة، رغم أن المبلغ بسيط جداً ولا يتجاوز 25 مليون دينار فقط طبقاً للبيانات المالية للهيئة!
قائمة الفساد والتلاعب المالي والإداري طويلة جداً، لم تتسع لها صفحات تقرير ديوان الرقابة المالية، وبعض هذه التجاوزات أصبحت شبه متكررة في كل التقارير كل عام، بلا تغيير، وبلا خوف. وكما هو معتاد في كل عام ستوجه الحكومة الوزارات والمؤسسات في بيان رسمي «مكرر ورتيب» إلى «تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير، وإعداد تقرير مفصل بشأنها يرفع إلى المجلس»، وكان الله غفوراً رحيما، لتسدل الستار على التقرير كما في كل عام.
أمنية… أن نرى لهذا التقرير قدرة على تنظيف المؤسسات من الفساد والمفسدين. وأن يكون له قدرة على ضبط الأداء العام، وإلزام الجهات الرسمية والمؤسسات الحكومية باللوائح والقرارات.
أمنية أن نرى لهذا التقرير دوراً في إسقاط وزير أو إحالة مسئول إلى النيابة العامة بتهمة التلاعب والفساد وسرقة مال العباد.
في بلدنا فقط… فساد مستشرٍ، ولكن بلا مفسدين!