سلمان سالم
لقد أعلن في موقع وزارة التربية والتعليم الإلكتروني وفي الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن اعتماد وزير التربية والتعليم نتائج توزيع إدارة البعثات والملحقيات للبعثات والمنح الدراسية والرغبات للعام الدراسي 2013 / 2014. وقال مدير إدارة البعثات والملحقيات إن الوزارة سعت إلى تخصيص جميع الإمكانيات لتوفير البعثات والمنح الدراسية لجميع الطلبة المتفوقين، حيث تم منح جميع المتفوقين من خريجي الثانوية بالمدارس الحكومية والخاصة أصحاب المعدلات 90 في المئة فأكثر، بعثات أو منحاً دراسيةً ضمن معايير التنافس المعتمدة، كما تم تخصيص 50 بعثة للطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة دعماً وتشجيعاً لهذه الفئة من الطلبة، بغض النظر عن معدلهم التراكمي في المرحلة الثانوية.
لا أحد يختلف مع الوزارة في إعلانها عن توزيع البعثات والمنح على الطلبة المتفوقين، إنما الاختلاف الكبير معها في بعض العبارات المبهمة التي يشوبها الكثير من الضبابية، والتي وردت في إعلانها، كعبارة «ضمن معايير التنافس المعتمدة». فلم يتحدث مدير إدارة البعثات عن ماهية تلك المعايير التنافسية المعتمدة لدى الوزارة والتي تطبقها إدارته، ولم يتكلم عن آليات تطبيقها ولا عن الأساليب المتبعة لتحقيقها، وهل تتوافر فيها العدالة والمساواة والإنصاف لجميع الطلبة المتفوقين أم أنها تفتقد لتلك المعايير العادلة؟ وهل تلك المعايير غير المعلنة تحقق طموحات الوطن أم أنها تحقق أهدافاً معينة ليس لها علاقة بمصلحة الوطن من قريب ولا من بعيد؟ وهل المقابلات الشخصية التي أجريت للطلبة المتفوقين، والتي يستقطع من أجلها 40 في المئة من معدلاتهم التراكمية، كان لها الدور الأكبر في تحقيق الرغبات الدراسية للمتفوقين أم ليس لها تأثير بارز على تلبيتها؟ وهل التعهدات الجديدة التي أعدتها للطالب المتفوق ويوقعها ولي الأمر تتناغم مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان أم أنها تتقاطع في بعض بنودها معها؟ والإجابة على كل تلك التساؤلات تتطلب من الوزارة أن تأخذ بمبدأ الشفافية في جميع خطواتها وإجراءاتها في توزيع الرغبات الدراسية على المتفوقين. وعليها أن تعلن عن أسماء الطلبة الحاصلين على البعثات والرغبات الدراسية ومعدلاتهم التراكمية بكل وضوح، وتقوم بنشرها في الصحافة المحلية وفي موقعها الإلكتروني، ليطلع عليها الرأي العام، وليتبين لجميع أسر الطلبة المتفوقين مفهوم المعايير التنافسية التي تعتمدها الوزارة عند توزيعها للرغبات الدراسية، وهل بمقدور تلك المعايير تقديم الطالب الحاصل على المعدل التراكمي الأقل على الطالب المتفوق الحاصل المعدل الأعلى في تحقيق رغبتهما الأولى، أم تعتمد في توزيعها للرغبات على مبدأ المواطنة الحقيقية بين الطلبة المتفوقين؟
إن أسر المتفوقين لا يطلبون الكثير من وزارة التربية، ولا يطلبون تحقيق أمر مستحيل. كل ما يطالبون به هو الشفافية وليس غير الشفافية، في توزيع الرغبات الدراسية، ولو تحقق لهم هذا المبدأ الأخلاقي والتربوي والإنساني فلن يكون هناك مجال للتحدث عن احتمالات التمييز والمحسوبية والواسطة والفئوية وغيرها من المصطلحات السلبية، ولن يدور في الأذهان تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة حول كل ما يتعلق بتوزيع رغبات أبنائهم المتفوقين كما هو حادث الآن.
إن الأسلوب غير الواضح الذي تتبعه الوزارة في توزيع البعثات الدراسية على المتفوقين، جعل أكثر من 166 طالباً وطالبةً من الحاصلين على معدلات تراكمية يعلنون العام الماضي عن تظلمهم من عدم تحقيق رغباتهم الدراسية الأولى، بعد أن اتضح لهم تحقيق الرغبات ذاتها التي طلبوها لطلبة آخرين حصلوا على معدلات تراكمية أقل من معدلاتهم من دون أن يُعطوهم المبررات التي أدت إلى حرمانهم من تحقيق رغباتهم الأولى، ولم تحرم غيرهم من الطلبة المتفوقين الحاصلين على معدلات أقل من معدلاتهم. كل هذه الملابسات والتشكيكات في عملية توزيع البعثات لم تكن ستحدث لولا اتخاذ الوزارة الأساليب الضبابية في توزيعها.
لقد كانت وزارة التربية والتعليم في السنوات البعيدة والقريبة تنشر في الصحافة المحلية بكل شفافية، أسماء الطلبة المتفوقين الحاصلين على البعثات الدراسية مع معدلاتهم التراكمية وبعثاتهم الدراسية التي حصلوا عليها. في تلك السنوات لم نسمع أحداً من المتفوقين يتحدّث بهذه الصورة السلبية عن موضوع البعثات، ولم نجد متفوقاً واحداً في الحقب الماضية يتكلّم عن وجود تمييز أو تلاعب في البعثات الدراسية كما هو حاصل في عصرنا الحاضر.
إن ما أوجدته وزارة التربية من معايير وآليات وأساليب غير واضحة المعالم، أفقدت الثقة بينها وبين شريحة كبيرة من المجتمع. ونقولها للوزارة بكل صراحة: من أجل إعادة الثقة بها تحتاج إلى خطوات عملية في تطبيق مبدأ المواطنة الحقيقية في التعيينات والتوظيف والترقيات والمكافآت والحوافز وتوزيع البعثات والرغبات الدراسية، ليرى المجتمع أثرها الإيجابي في الواقع التربوي بوضوح. فليس هناك عائقٌ وطني ولا إنساني ولا تربوي يمنعها من تحقيق هذا المطلب القانوني الذي يتوافق جملةً وتفصيلاً مع الدستور وميثاق العمل الوطني وجميع المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي وقّعت عليها البحرين. ومن المؤكد لو حققت وزارة التربية هذا المطلب الواقعي والقانوني، ستحقق طفرات نوعية في التعليم، وستوجد مستقبلاً رائداً وطموحاً للوطن في مختلف المجالات والميادين العلمية والأدبية والثقافية.
نأمل أن يأتي اليوم الذي نرى فيه بلادنا تقف في مقدمة البلدان العربية والإسلامية في مختلف التخصصات العلمية، فكل المؤشرات تدلّ على أن أبناء الوطن يمتلكون القدرة الفائقة على تحقيق المراكز المتقدمة في مختلف المجالات والتخصصات لو سنحت لهم الفرصة الكاملة لتحقيق طموحاتهم التعليمية. وهذه الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد من المواطنين… تعلمها وزارة التربية والتعليم قبل غيرها.