وصلني هذا الرد على مقال (أطفال للبيع) الذي نشر مؤخرا، وتناولت فيه الأوضاع المأساوية الحالية للأطفال العراقيين، ونورد الرد تفصيلا في السطور التالية:
حضرة الفاضلة الأستاذة هالة كمال الدين المحترمة
تحية طيبة وبعد
لقد تابعت باهتمام مثلما تابع الكثيرون مقالكم الهام المنشور حول أوضاع أطفال العراق وذلك في جريدة "أخبار الخليج" يوم 25 مايو 2009، والذي أوردت فيه الكثير من الحقائق القاسية والمؤلمة التي تتعلق بالأطفال العراقيين خلال فترة ما بعد الاحتلال.
إلا أنه استوقفتني الفقرة التي اخترتي أن تختتمي بها هذا المقال والتي نسبتي فيها ما يعاني منه أطفال العراق اليوم وبعد مرور نحو ست سنوات من الاحتلال إلى القيادة السابقة التي – كما تقولين – خلفت الدمار والمآسي والعذابات لهم.
ولعل مبعث تعقيبنا على هذه الخاتمة ليس بغرض الدفاع عن القيادة الوطنية السابقة للعراق الشقيق، بل كنا نتمنى أن تتم – وبناء على أوضاع أطفال العراق في الوقت الحاضر – إدانة الاحتلال الأمريكي وعملائه والذي بات معروف لدى القاصي والداني أنه الحق الدمار بالعراق وشرد نحو 7 ملايين عراقي ودمر البنية التحتية وهتك الأعراض وشرد العوائل وأحدث الفتنة الطائفية وسرق ثروات وخيرات البلاد.
ولتأكيد هذه الحقائق فإننا نورد بعض وثائق منظمة الصحة العالمية الصادرة في يوم الصحة العالمي عام 2001، والتي تقول: إن العراق كان في طليعة دول إقليم شرق المتوسط فيما يتعلق بالاهتمام بموضوع الرعاية الصحية النفسية، غير أن هذه الرعاية تراجعت بشكل واضح وتأثـرت تأثـراً سيئاً منذ عام 1990 بسبب الحرب والحظر الاقتصادي. وقد أوردت المنظمة أرقاما حول عدد المرافق الصحية النفسية الموجودة في العراق قبل 2001، فذكرت أنه كان يوجد في البلد 23 مرفقاً للطب النفسي، 16 منها في بغداد، وستة منها عبارة عن أقسام جامعية، وأن وزارة الصحة تدير جميع هذه المرافق، التي تضم مستشفى الرشيد للصحة النفسية، الذي أقيم في عام 1956 في بغداد، وهو مؤسسة للإقامة الطويلة، وبه وحدة للطب النفسي الشرعي، ومستشفى ابن رُشد للطب النفسي في بغداد (الذي أنشئ في عام 1968)، وهو مستشفى للإقامة القصيرة، ملحق به مركز لمعالجة إدمان المخدرات، أنشئ في عام 1979، كما توجد وحدات للطب النفسي في المستشفيات العامة كمستشفى بغداد التعليمي ومستشفى اليرموك التعليمي، والمستشفى التعليمي لكلية صدام للطب، ومستشفى الموصل العام، ومستشفى البصرة العام، ومستشفى النجف العام، ومستشفى المختار، الذي أقيم في عام 1989، وهو مستشفى خاص، كما يوجد 12 مدرسة ومعهداً للمتخلفين عقلياً تعمل تحت إشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
كذلك من المعروف أن العراق قبل الغزو كان يمتلك أكثر الأنظمة التعليمية تطوراً في منطقة الشرق الأوسط، فوفقاً لأحد التقارير الصادرة عن (اليونسكو)، قُدّرت نسبة المسجلين في التعليم الابتدائي ما يقارب 100%، وكذلك تمكن العراق تقريباً من القضاء على الأُمّية، إضافة إلى تحوّله إلى مركز للدراسات الأكاديمية في العالم العربي، كما حقق قفزات إيجابية في مجال التعليم في العقود الأخيرة من القرن العشرين خاصة في مجال تعليم البنات، والتعليم الجامعي، والاهتمام بالعلوم الطبيعية والعلماء.
وفي دراسة أجراها أطباء نفسانيون عراقيون بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بشأن الصحة العقلية لأطفال العراق بحثوا خلالها في انعكاسات الاحتلال وتداعياته على الصحة العقلية لأطفال العراق من خلال دراسة أوضاع الأطفال في ثلاث مدارس ابتدائية بمدن (بغداد، الموصل ودهوك). كشفت الدراسة التي تمت في بغداد أن حوالي نصف الـ 600 تلميذ محل الفحص يُعانون من صدمات كبيرة منذ بداية الحرب. وأن واحدا من كل عشرة يُعانون من اضطراب عقلي ناجم عن صدمات ضاغطة، كما أوردت إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة العراقية وجود أكثر من 5،2 مليون طفل مريض نفسياً. لكن تقارير طبية غير رسمية تؤكد أن العدد يتجاوز الخمسة ملايين طفل.
وبالتالي، فليس غريباً أن تستهدف الحرب الأمريكية على العراق، القضاء على الثروة الفكرية والعلمية والتقنية له، والتي إذا ما سُمح لها بالبقاء فيها لكانت قد أوصلت بلداً عربياً يتميز بامتلاكه مثل هذه الثروات إلى مصافّ الدول المتقدمة علمياً وتقنياً وصناعياً، وهو الأمر الذي لن تقبله القوى الاستعمارية.
أرجو أن يتاح الوقت والمجال لقراءة ونشر هذا الرد المتواضع، مع خالص الشكر والتقدير.
د. حسن العالي
تعقيب المحررة.
ونحن بدورنا نشكر الدكتور حسن العالي على هذه المعلومات القيمة مؤكدين له اتفاقنا التام معه على التأثيرات السلبية للاحتلال على المجتمع العراقي برمته أطفالا ونساء وشيوخا، علما وثقافة واقتصادا!