الدكتور غالب الفريجات
عندما يشعر المواطن أنه يعيش في وطن لا سيادة فيه إلا لسيادة القانون، ولا تجاوز فيه على حقوقه المشروعة، سواء من القوانين والأنظمة القائمة، أو من الشخصيات المتنفذة، فإنه دون شك لا يحمل الحقد والضغناء في قلبه تجاه الوطن والمواطنين، بحيث يتم العمل على استمالته من هذا التنظيم المتطرف أو ذاك، خاصة إذا كانت هذه التنظيمات تستخدم العنف والقتل والتدمير في حق المواطن وممتلكات الوطن، كما في التنظيمات التكفيرية التي تعيث فساداً باسم الدين والدين منها براء، ولا تملك مثل هذه التنظيمات القدرة في ثقافتها التدميرية العدوانية أن تستغل عقل مواطن يشعر بالأمن والأمان في وطنه، ولا يشعر بالقهر والظلم والغبن من هذا الطرف أو ذاك بسبب تصرفات المتنفذين.
الارهاب يولد من الظلم والشعور بعدم وصول الناس إلى حقوقهم المشروعة، فيتحول هؤلاء إلى حالة الاحباط مما يجري وسطهم، ولا يشعرون بانتمائهم إلى الوطن الذي عليه احتضانهم، فالوطن هنا بدلاً من أن يكون وطن الجميع يتحول إلى مجموعة من المستغلين سواء أكان ذلك على الصعيد الاسياسي أو الاقتصادي، عندها لايجد هذا المحبط أملاً في الوصول إلى نيل حقوقه، ويصل إلى حالة العداء لما يحيط به، والعمل على تدميره، انتقاماً لحالة الظلم والغبن الذي يشعر به.
الفساد بكل أنواعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي بيئة صالحة لنمو الارهاب، ويجد له من يصغي إلى فلسفات القائمين عليه، الذين يحملون لواء تدمير النفس البشرية، ويدمرون ما أنجزته الحضارة الإنسانية، ولا تروقهم المكتسبات البشرية، ويحلمون ببناء نموذجهم العدواني بالقتل والتدمير.
الارهاب لا وطن ولا دين له، فهو قد يكون في كل الاوطان، وهو في كل الاديان، فليس هناك دين بعينه يلد الارهاب، وليست هناك عقيدة سماوية قد جاءت بالارهاب وحثت عليه، فكل الأديان السماوية جاءت لخير البشرية لا لتدميرها كما يفعل الارهاب، حتى الحركات الاصلاحية والاديان الارضية لا ارهاب فيها، ولا ممارسات عدوانية لمعتنقيها، فقد جاء بها أصحابها لاصلاح المجتمع لا لتدميره.
الديمقراطية فيها ابداء الرأي بحرية، واحترام الرأي والرأي الآخر، والعمل على مواجهة الآخر بالحوار السلمي الديمقراطي، حتى وإن كان ذاك الآخر في صف السلطة، و الديمقراطية فيها انتماء للوطن قبل أن تكون ولاءاً للحاكم، فيها حرية العمل السياسي، وتشكيل الاحزاب والانضمام إلى صفوفها، فيها احترام للقوانين، وتحديد حرية الانسان عندما يؤمن بأن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية غيره.
رغم أن الدول والمجتمعات الديمقراطية نتيجة للحرية التي تسود فيها يمكن اختراقها من التنظيمات الارهابية، ولكن هذه التنظيمات غير قادرة على تجنيد المواطنين في صفوفها، لأن هؤلاء المواطنين لا يحتاجون لمعالجة قضاياهم مع الناس ومع الدولة باسلوب القتل والدمار، وليسوا من فئة الحاقدين على المجتمع الذي يحترمهم ويصغي لآرائهم، ويشاركون أبناءه الحوار والجدل في قضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الارهاب لا يحارب بالقوة، فهو عقيدة فكرية لدى أصحابه، وهؤلاء لا يمكن أن ينضب مخزونهم بقتل العديد من منتسبيه، إنما بالوعي والتوعية، بالتعليم النوعي ومن خلال ممارسة السلطة دورها في العدالة بين كل المواطنين، وبالمناهج المدرسية، وبالمساجد والكنائس والاعلام والأندية والأحزاب السياسية، ولا نغفل دور الأسرة في مراقبة سلوك أبنائها الذين قد ينحرفون عن جادة الصواب نتيجة لهذا أو ذاك من رفاق اللعب الأشرار.
ومع الديمقراطية والعدالة لابد من تطبيق القانون، فالتربية حتى وإن كانت وسيلة اعداد المواطن الصالح إلا أن القانون وسيلة لردع كل الذين يتطاولون عليه، ويعتدون على حقوق غيرهم من المواطنين الذين قد لا يعي البعض منهم حقوقه المشروعة، فليس صحيحاً أن القانون لا يحمي المغفلين، لا بل عليه أن يكون في صف كل المواطنين، ولا يعفي الدولة عدم مطالبة المواطن لحقوقه التي قد يجهلها، فعليها أن تكون حريصة على اعطاء كل ذي حق حقه، حتى وإن جاءت مطالبته لهذا الحق متأخرة.
المجتمعات التي تشهد الارهاب عليها أن تحارب الارهاب في ممارساتها التي أدت إلى انتشاره بين صفوف أبنائها، فهي قادرة بالديمقراطية والعدالة أن تجب منابع الارهاب، والعمل على تحصين مواطنيها ومجتمعها من الانزلاق إلى ممارسة الارهاب، والوقوف في طريق التنظيمات الارهابية التي تعمل على تصيد الشباب وتجنيدهم، ليكونوا أدوات قتل وتدمير في صفوف أبناء جلدتهم ودينهم.
ونحن في منطقتنا العربية التي زاد فيها انتشار الارهاب، ودمر المجتمعات العربية في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، ويهدد الأمة في وحدتها ومنجزاتها، علينا أن نتوحد في الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الارهاب، وممارسات التنظيمات الارهابية بكل وسائل التعاون، فمصيرنا واحد، تجمعنا أمة واحدة، لا بد وأن تكون كالجسد الواحد.