الدكتور غالب الفريجات
الديمقراطية ليست شعارات يتم إشهارها كالعلامات التجارية للتعريف بكنه المشهور في زحمة الإعلانات التجارية، فهي نظام حكم قائم على الإنتخابات في ظل قانون إنتخابي، يهدف لإرساء الحقوق الإنسانية، وتحقيق العدالة بين مكونات المجتمع ومواطنيه، ليعيش الجميع تحت مظلة القانون، فلا سيادة إلا سيادة القانون، ولا سلطة لأحد فوق سلطة القانون.
في العديد من دول العالم، وخاصة دول العالم الثالث التي نحظى بالإنتساب إليها في الوطن العربي، هناك من النظم التي تعتمد صناديق الإقتراع، في ظل قانون إنتخابي لا صلة له بالعدالة ولا بحقوق الإنسان، إلى جانب تغول السلطة التنفيذية في إستخدام نفوذها وصلاحياتها بالتلاعب في الإنتخابات ونتائجها، إلى جانب المال السياسي الذي يلوث العملية الإنتخابية، لينجح من يملك الثروة على حساب الصدق والإنتماء لمن ينافسه في الدائرة الإنتخابية.
الديمقراطية تحتاج إلى قانون إنتخابي يفرز ممثلين حقيقيين لجماهيرالشعب، بعيداً عن تدخل الأجهزة الحكومية لصالح زيد وضد عمرو، لإخراج مجلس نواب لا حول له ولا قوة أمام تغول السلطة التنفيذية، التي تمارس دورالسلطة التنفيذية بشكل مباشر، وتهيمن على السلطة التشريعية بشكل غير مباشر، وضياع لدور السلطة القضائية في ضوء توجيهات الأجهزة الأمنية، مع غياب العمل الحزبي المنظم الذي يتحمل مسؤولية إفراز ممثلين حقيقيين للجماهير الشعبية.
الديمقراطية يظهر فيها دور السلطات الثلاث، كل يمارس دوره دون أن يكون هناك تجاوز على حقوق هذه السلطة أو تلك، وخاصة من تجاوز السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية.
حقوق الإنسان معيار عالمي واضح فيما الحكومة أي حكومة تعمل على تطبيق الديمقراطية، وتمارسها من خلال أعضائها، دون أن يأخذ كل وزير في الحكومة على مزاجه الخاص في التعامل مع الموظفين والمواطنين على طريقته الخاصة، وبمصاحبته في إعلام يبارك خطواته اللاديمقراطية، وعنترياته اللاأخلاقية في حق المواطنين والموظفين العاملين في المؤسسة التي إبتليت به.
عضو الحكومة هو الآمر الناهي، هو فوق القانون، خاصة في ظل سلطة قضائية لا حول لها ولا قوة، لأن كل واحد من أعضائها يخاف من الإجراءات التي تتخذ بحقه إن خالف تعليمات الجهاز الأمني أو سلطة رئيس الوزراء، وعضو البرلمان الذي يعرف طريقة وصوله لقبة البرلمان لا يجرؤ على مواجهة تجاوزات السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.
في ظل غياب دور حقيقي للسلطة التشريعية سواء في ظل قانون إنتخابي غيرعادل ومنصف في التمثيل الشعبي، أو في ظل سلطة قضائية يُعين قضاتها من الحكومة، فإن الديمقراطية التي ندعيها غير موجودة على أرض الواقع، وهي ديكور تقوم السلطة التنفيذية بتشكيله لخداع المواطن من جهة، وللإعلان الكاذب عن ممارسة الديمقراطية.
في ظل الفساد المستشري في مفاصل الدولة، فالديمقراطية لا يمكن لها أن ترى النور، حتى وإن بدا ممارسة هنا وهناك للتغطية على ممارسات السلطة التنفيذية لتبييض وجهها، بسبب تجاوزاتها على كل الحقوق المشروعة للمواطنين من جهة، وعلى دور السلطات الأخرى كالسلطة التشريعية والسلطة القضائية من جهة أخرى.
النظام الديمقراطي نظام شامل لا يمكن تطبيقه بالقطعة، أو على مزاج السلطة،وخاصة السلطة التنفيذية صاحبة الصلاحيات الإجرائية على أرض الواقع، وليس هناك من خيار مزاجي لأي مجتمع في تطبيق الديمقراطية أو عدمها، فالمجتمع الذي يتطلع إلى الحرية والتقدم وتحقيق الإزدهار، لابد له من النظام الديمقراطي في جميع مؤسسات الدولة والمجتمع.
الدولة التي ينخر فيها الفساد لا يمكن لها من تطبيق الديمقراطية، فالفساد والديمقراطية لا يلتقي أحدهما مع الآخر، فالفساد آفة المجتمع، والديمقراطية شعور وإحساس بصحة المجتمع وسلامته، ودولنا مع الأسف الشديد يضرب الفساد أطنابه في كل مفصل من مفاصل الدولة، فكيف لدولة ينخر فيها الفساد تدعي بتطبيق الديمقراطية، وكل ما تقوم به هذه النظم السياسية الفاسدة ديمقراطية كاذبة، تريد من خلالها التستر على ممارساتها في قمع الحريات باسلوبها الأمني، وخنق حقوق الإنسان بتطبيقاتها المزاجية في إستخدام السلطة، فالدولة التي لا يشعر المواطن فيها بالأمن والأمان دولة بوليسية بأثواب ديمقراطية كاذبة.
إن الدول العربية ليس فيها من يخضع لمعايير الديمقراطية الحقيقية، ولهذا تجد الخراب والفساد يسود مفاصل الدولة، والخراب المعنوي الذي يعشعش في مفاصل الدولة مقدمة لإنهيار الدولة، أياً كانت قبضة أجهزتها الأمنية، فإجراءات هذه الأخيرة لا تصب في خدمة الدولة، فالدولة التي تبحث عن الإستقرار والإزدهار هي من تقوم أجهزتها على خدمة الوطن والمواطنين وليس التجسس على خصوصيات الناس ومحاربتهم في أرزاقهم وقوت أطفالهم وحرية تعبيرهم، وهو ما يشكل طعنة في أي توجه للديمقراطية.
dr_fraijat45@yahoo.com