هاني الفردان
شهدت عدة مناطق خلال الأيام القليلة الماضية حملات أمنية مكثفة، ومداهمات تنوعت ما بين الليلية والنهارية. تلك المداهمات صاحبها تكسير لأبواب منازل المواطنين، وتسلق جدران وأسطح، ودخول من قبل مدنيين ملثمين لحرمها، ومن دون استئذان لأهلها، واعتقال مواطنين.
ذهب بعض المسئولين للحديث عن أن «وزارة الداخلية ذهبت إلى ما هو أبعد من تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق»، وأن وزارة الداخلية قامت بتنفيذ توصيات اللجنة وذهبت إلى ما هو أبعد من مجرد التنفيذ.
ويبقى السؤال، هل ما شهدته سترة، توبلي، المعامير، خلال الأيام الماضية من مداهمات للمنازل وتكسير للأبواب والنوافذ، يأتي ضمن ما يمكن أن يصنف ضمن «ما هو أبعد من تنفيذ توصيات بسيوني»!؟
صور، ومقاطع مصورة بثت سريعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمداهمات مدنيين ملثمين لمنازل في سترة وغيرها، وبشكل مخالف للدستور والقانون وبالخصوص المادة (25) من الدستور التي تنص على أن «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها إلا استثناء في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه».
كما نص المرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية، والذي نصّ بكل وضوح في بابه الرابع المخصّص لـ «دخول المنازل وتفتيشها وتفتيش الأشخاص»، المادة (65) «لا يجوز لأفراد السلطة العامة الدخول في أي محل مسكون إلا في الأحوال المبينة في القانون، أو في حالة طلب المساعدة من الداخل أو في حالة الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك».
وتنص المادة (70) «يحصل التفتيش بحضور المتهم أو من ينيبه عنه، وإلا جرى بحضور شاهدين كلما أمكن ذلك، ويكون هذان الشاهدان بقدر الإمكان من أقاربه البالغين أو من القاطنين معه بالمنزل أو من الجيران، ويثبت ذلك في المحضر». فهل هناك محاضر تفتيش جرت للمداهمات التي جرت في مناطق البحرين من قبل الأجهزة الأمنية؟
انضمت البحرين للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية في 20 سبتمبر/ أيلول 2006، ونص هذا العهد الذي أخذ قوة القانون منذ صدوره بمرسوم في المادة (17) على أنه «لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شئون أسرته أو بيته أو مراسلاته (…)».
هناك عقوبات فرضها القانون البحريني على من يفتش منزل مواطن من دون رضاه أو مخالفاً للقانون وذلك بالحبس، إذ نصت المادة (207) من قانون العقوبات على الحبس لـ «كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة قام بتفتيش شخص أو مسكنه أو محله بغير رضاه أو في غير الأحوال ودون مراعاة الشروط التي ينص عليها القانون مع علمه بذلك».
وبما أن المسئولين في وزارة الداخلية أكّدوا بأن الوزارة ذهبت لأبعد من تنفيذ توصيات تقصي الحقائق التي خلصت في فقرتها رقم (1172) إلى أن «ما بين 21 مارس و15 إبريل 2011، قامت قوات الأمن البحرينية بشكل منهجي باقتحام المنازل للقبض على بعض الأفراد، الأمر الذي أدى إلى ترويع ساكني هذه المنازل، حيث قامت قوات الأمن بشكل متعمد بتحطيم الأبواب واقتحام المنازل عنوة وفي بعض الأحيان سلبها. كذلك، هناك مزاعم بأن هذا السلوك قد صاحبه سباب وإهانات لفظية طائفية، وفي أحيان كثيرة على مرأىً ومسمعٍ من النساء والأطفال وأفراد الأسرة. وفي العديد من الحالات المسجلة طُلب من النساء الوقوف بملابس النوم التي لم تستر أجسادهن بما يكفي، الأمر الذي مثل إهانة لهن وللأطفال ولأزواجهن المقبوض عليهم وأقاربهن. كذلك، يشكل هذا السلوك انتهاكاً للممارسات الإسلامية».
الواقع بعد عامين لم يتغيّر، فلازالت المداهمات للمنازل بذات النمطية السابقة، بل زادت سوءاً، وبلا إذن قضائي، وذلك بحسب روايات الأهالي، كما لازالت عمليات التكسير والتخريب مستمرة والاهانات أيضاً، بل توسّعت بحيث من يقوم بها حالياً ملثمون مدنيون، لا يُعرفون إلى أية جهة ينتمون، ليعاد تكرار ذات الذريعة السابقة التي أوردها تقرير تقصي الحقائق في الفقرة (1173): «وعند سؤال وزارة الداخلية عن دورها في عمليات القبض هذه، أكدت أنها كانت فقط تساعد جهاز الأمن الوطني، وأنه ليس ثمة عملية مشتركة تم تنفيذها، إلا أن إفادات الشهود التي وردت لمحقّقي اللجنة أشارت إلى أن وزارة الداخلية شاركت بالفعل في هذه المداهمات».
قد نحتاج إلى تعديل تلك العبارة التي أوردناها في البداية على لسان مسئولين في وزارة الداخلية، فبدلاً من القول بأن «وزارة الداخلية ذهبت إلى ما هو أبعد من تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق»، يمكننا القول بأن الوزارة وأجهزتها الأمنية ذهبت إلى ما هو أبعد مما ذُكر بتقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق»، والفرق بين الأمرين كبير جداً، وأصبح علنياً وواضحاً للجميع.