سلط التقرير الاستراتيجي الثاني الصادر عن مركز البحرين للدراسات والبحوث الضوء على قضية قد تكاد تكون صعبة على المركز الولوج في تفاصيلها، ألا وهي (قضية الطائفية في المجتمع البحريني)، والبوح بمدركاتها ومكنوناتها بعيدا عن التحليل الرسمي أو الموقف الرسمي للدولة.
إلا أننا وللأمانة، نلمس من خلال استعراض عام لما جاء في التقرير حول "الطائفية" نلحظ توجها جديدا في المركز انبرى الى حد ما عن الالتزام بالموقف الرسمي، وحاول الابتعاد قد الامكان عن السقوط في أوحال الطائفية، وحاول عمل موازنة بين ما أسماه بالطائفتين الكريمتين وبأداء القوى (الكتل النيابية الطائفية) في البرلمان.
وقد أثار التقرير الاستراتيجي فيما يتعلق بالمشهد المحلي نوع من الجدل لدى البعض، واندهاشا لدى البعض الآخر وانتقادا عند آخرين على اساس أن التقرير لم يشر الى دور الجانب الرسمي في تأجيج الطائفية، ولكل حجته، بدليل ان جريدة محلية نشرته بالكامل، وحرمته على الآخرين في تناول فصوله بالتفصيل والتعليق.
كما تناول كتاب آخرون تعليقات على محتوياته خاصة فيما يتعلق بموضوع (الطائفية)، ونظرا لهذه الجهود، واحتراما لمهنية الصحافة في عدم تكرار ما تم عرضه من قبل كتاب آخرين لهذا الجانب، فإني أتناوله من جانب آخر ليغني التقييم للسنوات المقبلة من عمل المركز.
وتعقيبا، فان المركز قد نظر الى هذه القضية بعين الاعتبار لكونها قضية تهدد تقدم المجتمع البحريني، واستقراره ووحدته، وكظاهرة تجلت في أداء بعض المؤسسات الرسمية والبرلمان والأمن الاجتماعي، وأنها تعدت ذلك الى بروز مطالبات بتقنين التجنيس، ونبذ التمييز، والاستقرار بعيدا عن النهج الطائفي.
كما يقول التقرير إن ما جرى في هذا الشأن، تم بعيدا عن برنامج الاصلاح الذي نادى به جلالة الملك، والذي دشن مرحلة جديدة من الحريات للمواطن وفصل السلطات الثلاث.
نقول، صحيح إن ممارسات بعض المؤسسات الرسمية ومجلس النواب بعيدة كل البعد عن برنامج الاصلاح لجلالته.. ولكن من جهة اخرى، ليس كل ما طرحه النواب أو الجمعيات السياسية الليبرالية،كان من منطلق طائفي.
ان ما يؤسف عليه وبصراحة، ان تقرير الشأن الداخلي من (صفحة 4 الى 53)، وردت فيه كلمة "الطائفية ومشتقاتها" (56 مرة)، أي أكثر من عدد الصفحات، وكررت كلمة ( سني) 8 مرات، وكررت كلمة (شيعي) 11 مرة.. وهي كلمات ثقيلة على القلب والعقل، وكان بودي ان يترفع التقرير عن تكرارها بهذا الكم.
ولذا فأني متخوف من تكرار الشيء نفسه، وحسب نظرية الإعلام الأمريكي من تكرار الأخبار كل (10 أو 15 دقيقة) على مدار الساعة، يثبت الفكرة المراد توصيلها الى عقول المستمعين، ولا أدري ألم يعِ كاتب التقرير ذلك أم لا؟
وملاحظة ثانية، أورد التقرير تداخلات بعيدة عما جرى في عام 2009، فمثلا: يتحدث عن الطائفية في عام 2009، وينتقل الى مرحلة نهاية السبعينيات ثم يعود مرة اخرى الى مرحلة الإصلاحات عام 2000 .. ثالثا: ان وجود المجالس وتدني معيشة المواطنين، وحرية الصحافة، والتوظيف في الوزارات، ليست ملفات وليدة الساعة.
ومع ذلك، يبقى التقرير إطلالة جديدة لمركز البحرين للدراسات والبحوث للمساهمة في تبديد ظلام نفق الطائفية، نتمنى استمرارية وهجها.