جميل المحاري
لم يكن من الممكن أن تصل المشكلة الطائفية في البحرين لهذا المستوى، من الانقسام والعداء لولا استخدام البعض لآليتين أساسيتين لزرع الكره في نفوس الناس بعضهم لبعض. ولا شيء أقوى من تعزيز شعور الخوف من الآخر لكي يفقد الإنسان اتزانه وتفكيره المنطقي ويحكم على الأمور من خلال غريزة البقاء لديه.
ولذلك نراه يتمسك بمن حوله من نفس الطائفة أو القبيلة، ويرفض تماماً السماع للآخر، مصدّقاً كل ما يشاع من أكاذيب وأمور لم يكن ليلتفت إليها لو كان في حالته الطبيعية.
لقد نجح البعض وبسوء نية في تثبيت الخوف في المجتمع من خلال إطلاق الأكاذيب، بترديده أن الحراك الشعبي في البحرين يريد تطبيق ولاية الفقيه، دون أن يكون لديه دليلٌ واحدٌ على ما يردّده على مسامع الناس، حتى أصبح البعض يصدّق أن جمعيات وشخصيات علمانية ويسارية وحتى أفراد من الطائفة الأخرى، تسعى لتطبيق هذا النظام المختَلف عليه حتى بين علماء ومراجع الطائفة الجعفرية.
ولكي تكتمل القصة، كان لابد من افتعال حوادث تبعث على الكره والاشمئزاز من فاعليها، ولذلك كانت قضية الكادر الطبي الذي قيل إنه «استولى على مجمع السلمانية الطبي ورفض علاج أي مريض من الطائفة الأخرى، بل قام باحتجاز المرضى في المجمع واستخدمهم كأسرى»!
لقد سمعنا الكثير من القصص التي ادعى أصحابها أن الأطباء في المجمع رفضوا علاجهم لأنهم من طائفةٍ أخرى، في حين برأت المحكمة جميع الأطباء والكادر الطبي بلا استثناء من هذه التهمة، ولم يتم إثبات أن مريضاً واحداً قد تم رفض علاجه.
في قصة أخرى لا تقل بشاعة، أشاع الإعلام الرسمي حادثة قطع لسان شخص آسيوي يعمل مؤذّناً في أحد مساجد المنامة، وفي تقرير مصوّر عن الحادثة قال المذيع بالحرف الواحد «قطع اللسان الذي يلهج بذكر الله واختفى ذلك الصوت الذي كان ينادي حيّ على الصلاة». هذه الحادثة لم تذكر في تقرير لجنة تقصي الحقائق، كما أن الشهود في المحكمة والذين يسكنون في نفس المنزل الذي يسكن فيه المجني عليه، نفوا أن يكون المجني عليه يعمل مؤذّناً في مسجد المنطقة أو في أي مسجد آخر، وقالوا في شهادتهم أمام المحكمة «إن المجني عليه يعمل في شركة خاصة».
الكثير من الحوادث التي لم يكن لها أساس من الصحة ولم يتم ذكرها في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، تم الترويج لها سواءً من خلال الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي، بهدف بث الخوف والرعب في نفوس الناس، في حين سكت هذا الإعلام عن ذكر ولو حادثة واحدة تعرض لها الطرف الآخر رغم توثيقها في تقرير لجنة تقصي الحقائق وبالشهود والحيثيات.