حسن المدحوب
كان فجر يوم خميس (17 فبراير/ شباط 2011)، كمثل خميس اليوم، لكنه كان يوماً حزيناً كئيباً دامياً، سالت فيه دماء البحرينيين على أرصفة دوار اللؤلؤة. مئات البحرينيين كانوا قد افترشوا المكان للمبيت فيه والاعتصام للمطالبة بالإصلاح الديمقراطي في البلاد، إلا أنهم تفاجأوا باقتحامٍ أمني كبير على المحتجين في التجمع السلمي هناك.
ذلك الاقتحام أدى إلى سقوط ضحيتين تعرضا بشكل مباشر للقذائف الانشطارية «الشوزن» في الساعة الثالثة فجراً، عندما كان المحتجون نائمين، وهما محمود أحمد مكي (23 عاماً)، وعلي منصور خضير (58 عاماً)، وكلاهما من جزيرة سترة.
فيما سقطت الضحية الثالثة عيسى عبدالحسن من سكنة كرزكان، ويبلغ من العمر 61 عاماً، إثر تعرضه المباشر لطلقة رصاص انشطارية بالقرب من مجمع السلمانية الطبي، وُجّهت له بشكل مباشر وعن قرب، أدّت إلى إحداث انفجار في جمجمة الرأس وتناثر مخه، في منظرٍ لم يشهده الشارع البحريني من قبل. كما أعلن مساء ذلك اليوم، عن رحيل الضحية الرابعة وهو الشاب علي أحمد عبدالله المؤمن (22 عاماً) من سترة الخارجية.
الشهداء الثلاثة خضير والمؤمن ومحمود، وصلوا إلى الطوارئ، إلا أن جهود الأطباء لم تفلح في إنقاذ حياتهم لشدة الإصابة، وتعرّض أجسامهم إلى رصاص الشوزن، فيما نُقل الشهيد الرابع عيسى عبدالحسن على الفور إلى المشرحة، لأنه توفي على الفور، إذ أصيب بطلقة رصاص في رأسه هشمته.
عدد الجرحى الذين أصيبوا أثناء الاقتحام بلغ أكثر من 250 جريحاً، أدخلوا جميعهم إلى مجمع السلمانية الطبي، الذي احتشد فيه عددٌ كبيرٌ من البحرينيين أمام مبنى الطوارئ والحوادث، وبقوا لساعات طويلة، يهتفون ويرددون عبارات تطالب بالإصلاح الفعلي في البحرين، وقد غطّى صوت بكاء النساء وصراخهن جميع أنحاء قسم الطوارئ والحوادث، فحتى الممرضين والممرضات وعدد كبير من الأطباء، لم يتمالكوا أنفسهم وهم يرون جرحى أمامهم، إذ بكوا هم أيضاً.
إلى اليوم، ونحن نعيش الذكرى الثالثة لهذه الحادثة، لا أحد ينسى صورة الرأس المهشم للشهيد ذي الستين عاماً عيسى عبدالحسن، وصورة الجسم المثقوب في كل قطعة منه بالشوزن، لرجل بلغ من العمر 58 عاماً، فضلاً عن الشابين اللذين كانا في عمر الورود، محمود والمؤمن، وكان التساؤل الذي دار في قلوبنا جميعاً: ماذا كان جرم هذين الكهلين وتلك الوردتين، حتى يهشم رأس أحدهما، ويرش جسد الثاني والثالث والرابع رشاً بالشوزن!
مضى ذلك الخميس، والبحرينيون للساعة، تقطر قلوبهم أسى على ما جرى فيه وفي غيره من أيام من دم، وهم يسألون، بعد كل ما جرى يومها، وطوال ثلاث سنوات من الأزمة التي عصفت ولا تزال بالبلاد: هل استطاع الشوزن والحل الأمني أن يوقف المطالبات بالديمقراطية الحقيقية والإصلاح والعدالة والحرية؟ ألم يحن الوقت لإعطاء هذا الشعب بعد كل التضحيات التي قدّمها، شيئاً من الحرية وكثيراً من العزة والكرامة، بدلاً من إهدائه خميساً دامياً آخر؟