مازالت مشاهد إعلان تجاري عالقة بذهني، والتي تقوم فكرتها على أن يدلل الإنسان نفسه بالمنتج المعلن عنه، لأن هذا المنتج جاء نتاج حليب تلك البقرة المدللة.
ويفتخر ذلك البلد الأوروبي بتدليله لأبقاره، ورعايتها الرعاية الصحية الكاملة، من أجل الحصول على أجود منتجاتها، فالتدليل ينعكس إيجاباً على الراحة، والراحة تؤدي إلي الإنتاجية.
ربما يسأل الكثيرون: لماذا أطرح هذا الموضوع؟ وما علاقته؟ ولماذا أستدل به؟ وإلى أين أريد الوصول؟
فقد قرأت يوم الخميس الماضي خبراً عن توافق بحريني – أسترالي لحظر ذبح الخراف الأسترالية في المنازل، إذ لدى الدولة الأسترالية اشتراطات ومعايير خاصة بعملية الذبح يجب أن تنفذ «حماية لحق هذا الحيوان».
أنظروا كيف بلغ العالم من الرقي والتقدم والتطور والتحضر، حتى أن هذه الدولة ترسل وفوداً ولجان مراقبة لمعرفة كيفية ذبح خرافها التي باعتها على الدول المستهلكة.
بلدان بهذا الحرص على حيواناتها؟ كيف سيكون حرصها على آدمية إنسانها، وبالتأكيد هو بلد يستحق الاحترام.
في بلداننا العربية قد تجد العملية معكوسة فلا حق للإنسان، وقد يهان ويقتل بأبشع الصور، وقد يبرر للقتل فيها بأقبح التبريرات، ويعطى للقاتل الكثير من الأعذار، هذا إذا ما لم يتهم المقتول بأنه هو من أراد قتل نفسه ليحول القاتل إلى ضحية.
في بلداننا العربية يقتل الإنسان، على أتفه الأسباب، وقد يكون ذلك بأسلحة مخصصة لقتل الحيوان.
في بلداننا سنجد كرامة الإنسان آخر شيء يمكن للأنظمة أن تفكر فيه، فأي إنسان هذا الذي يمكن أن تكون له كرامة؟ وأي إنسان هذا الذي يريد لنفسه العزة والحياة الكريمة، فلا يجوز له إلا أن يكون «عبداً» مطيعاً، مؤدباً، هادئاً، لا يرفض أي طلب ليكون إنساناً محترماً له قيمة في منظور المستعبدين.
إن لم تفعل ذلك فعليك أن تتحمل الكثير، وقد يصل بك الأمر إلى أن تتعرى في الطريق، وترمى ملابسك بعيداً عنك ويطلب منك الزحف لها أمام مرأى الجميع، أو أن توضع في حاوية القمامة لأن لك حقوقا تطالب بها، أو أن يفرض عليك شتم آخرين وتمجيد آخرين، أو تبصق على الجدار ومن ثم يطلب منك أن تلحس ما بصقت من جديد… والقائمة تطول، أو أن تتقبل كل الأوصاف والشتائم في أي نقطة تفتيش قد تمر بها.
إن لم تكن «عبداً» مطيعاً، فعليك أن تقبل بأن تكون موصوفواً دائماً بـ «الخائن» و «العميل» والخارج عن الملة.
ضريبة أن تكون عربياً هو أن تعيش مهاناً ذليلاً لتنعم بفتات كبار القوم وتحت رحمتهم من الميلاد حتى الممات، أو أن تكون ثائراً معارضاً، ولكن مطارداً، متهماً دائماً محروماً من أبسط الحقوق، مكانك وأشكالك السجون، وحبر آهاتك دماؤك على جدران زنزانتك.
قبل «الربيع العربي» كان الإنسان العربي يحلم بأن يكون بقرة نيوزيلندية أو خروفاً أسترالياً وألا يكون مواطناً عربياً
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3339 – السبت 29 أكتوبر 2011م الموافق 02 ذي الحجة 1432هـ