مريم أبو إدريس
من جديد يطل علينا الحوار، وهذه المرة في شكل دعوة لاستكمال الشق السياسي من حوار التوافق الوطني، الدعوة التي ضمّت كل الجمعيات والقوى السياسية الفاعلة. ورحبت بها قوى المعارضة على أن يكون حواراً جاداً، كما جاء موقف تجمع الوحدة الوطنية مرحّباً بالدعوة رغم إصراره مسبقاً على رفض التحاور مع قوى التأزيم على حد تعبيره. ويعتبر وجود تجمع الوحدة خط أمان لضمان رجوح كفة رغبات السلطة باعتباره صنيعة النظام وواجهة لما يستعصي أن يمارسه علانية.
الحوار الجاد يتطلب طرفين، المعارضة والسلطة، وترك رقعته تمتد لأكثر من ذلك يعتبر تمطيطاً واضاعة لحل حقيقي للأزمة الراهنة. الحوار يتطلب شيئاً من الشفافية والعقلانية والوضوح، وقبل ذلك الاعتذار للشعب، لفرط ما لحقهم من فظائع، وللموالين لتضليلهم طوال ما مضى بالمسرحيات غير المحبوكة التي أشعلت فتيل الكراهية في داخلهم ضد شركاء الوطن.
الحوار الذي يخرجنا من عنق الزجاجة لا يحتاج لأكثر من العودة لمبادرة ولي العهد، واجتماع الأطراف التي يتعلق بها الأمر، وعدم المبالغة في تمديد الرقعة، فمن تمثّله السلطة ويتفق معها في كل رغباتها لا حاجة له على طاولة حوار، فالمقعد المخصص للسلطة يمثل جميع من يلتحف بردائها.
قريباً تعود ذكرى 14 فبراير من جديد، ويعود الطرف الذي دفع فاتورة صوته موتاً ودماً، فهل ستضيع هذه الفرصة لاحتواء الأزمة والتوصل إلى حلٍّ يرضي جميع الأطراف أو غالبيتها، ويحقّق قيم العدالة والكرامة والمساواة، ويوقف التمييز والإقصاء وغيرها من مؤزّمات أوجدت ضرورة التغيير والإصلاح داخل المنظومة السياسية في البحرين.
الحوار الذي يسبقه تصعيد، هو حوار نخشى أن يُحكم عليه بالفشل مسبقاً لكونه يُفرض وعلى رقاب الناس السيوف. هذا الحوار لا يعبّر عن ثقةٍ بل استمرار للنهج المتبع في فرض رغبات السلطة. الحوار الناجح هو ذلك الذي يتضمن جميع المختلفين والمؤثرين من القوى المعارضة بما فيها تلك المغيّبة في السجون، فالحوار الذي يمكن أن يخرج بجدوى هو ذلك الذي يجمع جميع المختلفين ليتحاوروا ويتوصلوا إلى حلٍّ مرض. وتجاهل ذلك الجزء من المعارضة سيبقي أتباع فكرهم مهمّشين من القرار السياسي ومستمرين بالمطالبة بشتى الصور المتاحة.
إن حواراً ناجحاً هو ذلك الذي يفتح ذراعيه لأوجاع الناس الذين طالهم الضرر واقعاً. الحوار الذي يمكن أن يخرج بحل هو حوارٌ يقف عند أسباب الأزمة، لا أن يقفز عليها. وإن أردنا اليوم أن نقف مجدّداً علينا أن نبني سفينةً تسعنا جميعاً، نقتسمها بذات المساحة، وتحمل ثقافتنا المشتركة والمختلفة بذات القبول والرضا، أما الشكليات فلا حاجة لأحدٍ منا بها، ولا تحتمل معطيات الواقع اليوم مزيداً من تضييع الفرص. لنواجه ما حدث بشجاعة، ونؤسّس لغدٍ يجمعنا ويقينا ما قد يحدث في المستقبل.