منصور الجمري
واحدة من الظواهر التي يتمنى المر اختفاءها في يوم من الأيام هي تلوين السياسة وكأنها معركة بين الملائكة والشياطين، وكل جانب يدّعي أنه الملاك بينما الآخر يمثل الشيطان. وهذه الظاهرة تأخذ منحى خطيراً عندما تتأسس على أساس ديني أو طائفي، بحيث تتلبّس الحياة العامة بها. المشكلة في هذا التناول السياسي هي أن الموقف السياسي من أي قضية لا يتم التحقق منه على أساس عقلاني، ولا يُبنى على طرح فكري معيّن، وإنما يخضع للعاطفة الجامحة التي تُقزِّم الجانب المعرفي.
وحاليّاً نشهد تراشقاً في التصريحات بين وزراء ورموز في المعارضة، وهناك سعي لحسم التراشق لصالح الجانب الرسمي عبر استخدام إمكانات الدولة المختلفة. ولكن ما قد يخفى على المؤمنين بهذا الأسلوب في حسم الأمور هو أن الاختلافات التي نعيشها تعمّقت بسبب ما مررنا به منذ مطلع العام 2011، وأن الحدّة في التعاطي من شأنها أن تعمّق الأزمة بدلاً من حلحلتها.
لقد تحدث جلالة الملك أمس عند افتتاحه دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثالث لمجلسي النواب والشورى مؤكداً على «أن باب الحوار مفتوح للجميع، بما يحقق الانسجام التام لمجتمعنا ويوحد الجهود للبناء على ما حققته البحرين من إنجازات»… وأن «المطالب لا تؤخذ بالقوة والعنف بل تؤخذ بالحوار والتوافق الوطني كما حصل سابقاً بين أطياف مجتمعنا، وأنه لا ينبغي أن تفرض فئة رأيها على الآخرين».
ومن دون شك فإن الحوار الذي نبتغيه هو الذي يحفظ التماسك الاجتماعي ويحقق المطالب المشروعة ويدفع بعملية التنمية إلى الأمام، وهذه الأهداف لا يمكن الاختلاف عليها، ولكن الاختلاف يحصل على أرض الواقع بسبب التحشيد المعتمد على تلوين الحياة بلونين فقط. ما نأمله لبلادنا هو ما يأمله كل محب ومخلص لوطنه، بأن ننهض مرة أخرى ليس من خلال سياسة كسر العظم، وإنما من خلال الحوار والتفاهم؛ لأن ذلك هو المخرج الآمن نحو المستقبل.