سوسن دهنيم
بمناسبة التسويق أو لنسمهِ التمرير الراهن لما يسمى بالحوار؛ أقف عند نقاط أخلص في نهايتها إلى أسباب الحوار ودوافعه والنتائج التي تتوخاها الأطراف منه.
علينا أن نعرِّف أولاً كاسترجاع للمفهوم نفسه (الحوار)، هو لغةً: الرجوع. ويتحاورون: أي يتراجعون الكلام، واصطلاحاً: مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفين.
والمراجعة هنا لا تعني الكلام باعتباره كلاماً فحسب. إنها تعني في المحصلة الوقوف على مدعاة الحوار أساساً، والأسباب التي أفضت إليه، إذ لا حوار يقام هكذا في الهواء والعدم من دون موضوع.
وبالعودة إلى تعريف الحوار اصطلاحاً؛ يشير إلى تداول الكلام بين طرفين مختلفين، لكننا ضمن الوضع البحريني وما وصلت إليه الأمور يتجاوز الأمر كثيراً مسألة الاختلاف في فكرة أو مفهوم أو مسألة عقدية أو فكرية. إنها تتعلق باختلاف في طريقة الممارسة والأسلوب والنهج المتبع في التعامل مع المختلفين في رؤيتهم وما يجره الأسلوب والنهج من تداعيات على مدى بعيد، عدا ما جره في اللحظة الراهنة.
لا أحد في هذا الوطن – ممن يحبه ويعمل على الخروج به من المأزق الخانق الذي يمر به ولو لم تعترف الأطراف المسببة لذلك المأزق ولاتزال – لا يرجو ويعمل على تجاوز هذه المرحلة الخانقة والمهدّدة للجميع؛ لكن من دون التهافت على حلول من وحي المزاج ووحي تمني الخروج من المأزق فحسب، من دون الاستعداد وتفعيل مفهوم وقيمة الحوار من حيث أثره على الحياة وتفاصيلها وتحويلها من مرحلة التهديد والانفجار إلى مرحلة الاستقرار والاطمئنان.
وإذا كان الحوار مراجعة للكلام فهو يحتاج واقعاً وليس اصطلاحاً إلى مراجعة الممارسة والقيم التي حكمت فترة التأزم وجعلت منها أسلوب حياة لا علاقة له بالحياة. الحوار هو مراجعة حقيقية واستعداد للاعتراف بالأخطاء والفظاعات، والبناء بعدها ليس على ما يجبر كسر الحياة فقط؛ بل أن يعمل على ألا يكون مثل ذلك الكسر عادة وهواية ومزاجاً لابد منه. البشر والحياة لا يمكن أن يتحكم فيهم مزاج يرفع من قيمتهم اليوم، ويحط من قدرهم في اليوم الذي يليه، تبعاً لمؤشر ذلك المزاج.
الحوار الجاد يتطلب شجاعةً ليست عادية؛ مادامت الأطراف المتحاورة تعي مسئولياتها ودورها، وأيضاً اللعنات التي ستطالها ما لم يكن الجِدّ وصدق التوجه والأمانة والخوف من التفريط في مصائر خلق نصب عينها.
والحوار الذي يترصد أحد طرفيه بالآخر في محاولة لاستنزافه وليّ ذراعه ودفعه مرغماً إلى القبول بما يملى عليه بمنطق القوة لا يكون حواراً بل هو إعادة إنتاج للممارسة نفسها التي تطلبت الحوار، ولكن ضمن غرف مغلقة بعيداً عن الكاميرات والفضوليين أيضاً. إنه عودة بإصرار إلى مساحة التأزيم واستدراج للقفز على الحلول بمزيد من الالتفاف عليها.
ثم إن من شروط الحوار أن توفر له بيئة لا تستفز طرفاً من الأطراف ولا يجد في تلك البيئة طرداً له ومصادرة لخياره. بيئة تتوخى ليس سلامة النية والتوجه بل والتأكيد عليهما؛ ما يتيح فرصاً يمكن من خلالها تجاوز مرحلة الاختلاف على الكلام والمفاهيم والوصول إلى مرحلة تأكيد احترام طرف الممارسة (البشر) بعيداً عن استنزافه وإهانته والتعامل معه باعتباره أصلاً مملوكاً لأحدهم.