منصور الجمري
الحوار الذي تواصل مساء أمس لم يستطع لحد الآن الخروج بآليات متفق عليها، كما لم يستطع التحرك نحو مناقشة الموضوعات التي يمكن الاتفاق عليها. الأجواء مازالت مشحونة، ولاسيما أن البعض سعى إلى التصعيد والتهويل والتخوين؛ ما يعني أن جسور الثقة مازالت متقطعة، والبعض يود أن تستمر الحال على ما هي عليه لأن في ذلك تحقيقاً لمصالح أنانية وغير إنسانية.
في الأساس، فإن مفهوم الحوار السياسي يرتبط بالحاجة إلى تحديد المظالم واقتراح وسيلة لتصحيح الوضع القائم، ومن المفترض أن المشاركين في عملية الحوار يلتزمون بالموضوعية من أجل تبادل وجهات النظر وتحديد المواقف. ما نراه حالياً هو العكس، إذ إن هناك ضخّاً لمعتقدات بالية وأوهام وتهويل وتخوين، وهناك من يسعى إلى تشويه الصورة بدلاً من توضيحها، بل إن هناك من أعاد تنصيب نفسه قاضياً على الهواء مباشرة، أو عبر الصحافة، وهو في الوقت نفسه الخصم، وهو الذي يحدد التهم ويصدر الأحكام، وما على الآخرين إلا تصديق التفاهات التي أدانها تقرير لجنة تقصّي الحقائق.
الأساليب التي يتبعها البعض تكشف عن مدى الرعب حتى من عملية سياسية محدودة جداً، وتقع تحت السيطرة الرسمية بصورة محكمة، وسقفها محدود جداً، وكل ما يجري فيها يتم بشروط مسبقة، وكل ذلك على الرغم من ترديد عبارات أن حوار التوافق الوطني ليس له سقف أو شروط. ومع كل ذلك، فإن البعض يبدو مرعوباً جداً من احتمال أن ينتج عن هذه العملية كشفٌ لحجم المظالم التي حلت بالبحرين، وانكشافٌ لحقيقة الأطراف التي لا تلتزم بأيِّ نهج إنساني.
المعارضة التي تشارك في الحوار السياسي طرحت مطالب بسيطة، مثل التمثيل المتكافئ، وحتى هذا المطلب مرفوض، وهذا الرفض يعني أن «العدالة» لم تعتمد كمبدأ في هذه العملية. فإذا كان الحوار يستهدف إخراج البحرين من الأزمة السياسية، فإن من الواجب الالتفات إلى أن انفجار الأوضاع في 2011 إنما نتج عن ممارسات غير عادلة وتهميش حقيقي لجماعات المعارضة الوطنية ولفئات واسعة من المجتمع.
لقد اعتُمد القمع كوسيلة للاستمرار في وضع غير عادل، وهذا أنهك البلاد كثيراً، وعمّق الأزمة السياسية… وإذا كانت هناك حالياً قناعة جادة بأن الحوار هو المخرج، فإن للحوار متطلباته، والمتحاورون يجب أن يكونوا موضوعيين وقادرين على العطاء وعلى اتخاذ القرار، وقبل كل ذلك يجب أن تكو.ن لديهم أهداف إنسانية تسعى مثلاً إلى تحقيق العدالة والمواطنة المتساوية.