هاني الفردان
من الصعب جداً أن تقر السلطة بعدم رغبتها في الحوار مع المعارضة، ومن الصعب جداً أيضاً أن تقبل به.
من الصعب أن تخرج السلطة للرأي العام العالمي الضاغط كل يوم في اتجاه «حوار ذي مغزى» لتعلن بشكل واضح وصريح عدم جديتها في أي حوار، وبالصعوبة ذاتها أيضا أن تقبل به وهي للتو خارجة من حوار رأت فيه «التوافق الوطني» وعلى إثر نتائجه أحدثت تعديلات دستورية، وإن اعتبرتها المعارضة سطحية.
من الصعب جداً أن تسير السلطة نحو حوار غير مشروط، والأصعب منه أن تضع هي الآن شروطا، وهي التي نادت فيما سمي بـ «حوار التوافق الوطني» بضرورة ألا تسبق الحوار أي شروط من قبل المعارضة.
من الصعب عليها أن تدخل في حوار جديد، وهي التي هللت وصفقت لنجاح حوارها الوطني والذي لم تمض عليه شهور وصرفت عليه الملايين من بوفيهات وحفلات، والأصعب أن تتحمل الضغط الدولي المطالب بحوار آخر يفضي لنتائج ديمقراطية حقيقية.
من الصعب على السلطة أن تقول لتيار «الموالين» إنها تسعى لحوار جديد مع المعارضة، وهي من أقنعتهم بنجاح حوارهم السابق وان العمل جار على تنفيذ توصياته.
مواقف صعبة تجد السلطة نفسها فيها، نتيجة استشارات خاطئة من مستشارين متمصلحين، يجيدون اللعب بالبيضة والحجر فقط، ولا يدركون الأبعاد المستقبلية لأي استشارة سياسية.
السلطة «زعلت» عندما عنونت «الوسط» صدر صحيفتها يوم الجمعة الموافق (25 مايو/ أيار 2012) بـ «وزير العدل: لا حوار قبل إدانة العنف والاعتراف بمكونات المجتمع». وبالمناسبة كان العنوان ذاته على صدر صحف أخرى.
وقالت في بيان لوزارة العدل: إن طريقة صياغة المانشيت وتصديره وأسلوب عرض الخبر شابها بعض العوار وربما الخطأ، وبما أعطى انطباعاً لا يخدم توجه الدولة لخلق بيئة جيدة لإطلاق حوار ناجح تكون قاعدته عدم «أخذ الأمن رهينة» لمطالبات سياسية لا ترفضها البلاد من حيث المبدأ.
حاولت فك طلاسم الرد، وخصوصاً تلك المتعلقة بـ «العور» أو «الخطأ»، إذ ان الوزارة لم تحسم أمرها في ردها الذي شابه هو الآخر «العوار».
فعندما قال الوزير «الباب مفتوح لأي نوع من أنواع الحوار لكن الحوار لابد أن يكون مبنيا على الإدانة الصريحة للعنف وعلى الاعتراف بالجميع والانفتاح على مكونات المجتمع كافة»، فسنجد أن حرف «لكن» أداة استدراك، فيما تأتي عبارة «لابد أن» تمهيداً لتصويب عبارة كانت ناقصة بوضع جملة أكثر توضيحاً لسابقتها، وهو ما أسمته الوزارة «متطلبا»، فيما اعتبرته المعارضة «شرطاً».
فقرة «الحوار لابد أن يكون مبنيا على الإدانة الصريحة للعنف وعلى الاعتراف بالجميع والانفتاح على مكونات المجتمع كافة» متأخرة قليلاً على فقرة «الباب مفتوح لأي نوع من الحوار»، معتبرة ذلك التأخير في الجملة لتعكس مخاوف الوزير، ولكنها لا ترتقي لأن تكون «شروطاً» رغم وجود «لابد أن» والتي تخرج الأمر من الطلب للاشتراط.
في المقابل عندما طرحت المعارضة متطلبات لنجاح حوار التوافق الوطني في ذلك الوقت، اعتبرتها السلطة شروطاً ورفضتها، وعندما طرحتها السلطة أصرت على أنها مخاوف لابد منها ومتطلبات يجب أن تحقق أولاً، سواء كان في مشروع حوارها السري من قبل، أو ما لمح له وزير العدل حالياً، إن كانت هناك فرصة للتلميح أساساً.