الحل السياسي ليس عيباً
منصور الجمري
ربما هناك من يعتبر «الحل السياسي» عيباً؛ لأن مثل هذا المصطلح يفترض دخول الأطراف المعنية بخلاف يخص الشأن العام في حوارات، والحوارات تفترض الاعتراف بحق هذه الأطراف في طرح مطالب على الطاولة. لكننا أنهينا العام 2011 على وقع ترديد تصريحات تنفي وجود أي حوار، وبعض الجمعيات تهدد الجهات الرسمية بأساليب مختلفة فيما لو انفتح الحوار. باختصار، فإن هناك هروباً من أي حديث عن حل سياسي، بل أصبح البعض يعيب على من يشتغل في السياسة الحديث عن حوار أو حل سياسي.
الحل السياسي ليس عيباً، بل هو ضرورة لأي مجتمع بشري يسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار من خلال مكونات المجتمع (أفراداً وجماعات)، وهو تعبير متطور للسلوك المدني، لأن الإنسان مدني بطبعه.
الحل السياسي قد يعتبر عيباً في المجتمعات التي لا تستطيع الانتقال الى مستوى عصري في التعامل فيما بينها، كما أن الحديث عن حل سياسي يعتبر عيباً عند مجموعات لا تؤمن بمفهوم الوطن والمواطنة، وربما تعتمد على نهج «الاستحواذ على المغانم»، وبالتالي؛ فإن الحديث عن حوارات وحلول سياسية يعني خسارة مغانم، ولاسيما أن الحصول على هذه المغانم إنما تمَّ على أساس عدم الاعتراف بالآخر. الحل السياسي أيضاً قد يعتبر عيباً في «المجتمعات الأبوية»، وهي مجتمعات تعتمد بصورة كاملة على صلة القرابة والنسب فقط (وليس صلة المواطنة)، ولذلك؛ فإن الموضوع يتعلق بقبائل وعشائر، وربما يتطور إلى طوائف وملل ونحل.
لكن نظام الحكم لدينا، كما هو مدون في دستور 1973 وميثاق العمل الوطني ودستور 2002 يتحدث عن دولة حديثة، ومجتمع عصري، ولذا فأن «الحل السياسي» يجب أن يكون عملية مستمرة ننظر إليها جميعاً كعنوان للرقي والتحضر. وعليه، فأن الدَّوامة التي نمرُّ فيها تحتاج إلى إيقاف، ونحتاج إلى الخروج من هذا الفهم الخاطئ لمسيرة الحياة العامة.
حاليّاً يتم تضييع الموضوع عندما يطالب المخلصون بضرورة البدء بحلٍّ سياسيٍّ، إذ يأتي الرد جاهزاً بأن «حوار التوافق الوطني» تم وانتهى، وإننا في «دولة القانون والمؤسسات ومن يريد إسماع رأيه فعليه أن يعمل من خلال القانون والمؤسسات». مثل هذا الحديث قد يُتخذ وسيلة لتغليف الواقع المؤلم، لأن القوانين المتعلقة بالشأن العام مخالفة لعهود ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان، وقد أشار تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى هذا الجانب بوضوح. ثم إن الترتيبات المؤسسية صيغت بطريقة «استحواذية» تمنع إشراك المواطنين بصورة عادلة، وما حدث خلال الأشهر الماضية زاد الأمر سوءاً، وبالتالي؛ فإنَّ حل الوضع يجب أن يعود إلى الأولويات والأساسيات التي توجب العدالة وتوجب صون الحقوق والواجبات على أساس المواطنة… وهذا يتطلب «الحل السياسي»
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3404 – الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ