مريم أبو إدريس
الوقت ليس صديقاً دائماً لحل الأزمات، بعض المشاكل بحاجة لشجاعة المواجهة بدلاً من الاتكال على الوقت لحلحلتها، وهذا ينطبق تماماً على الوضع الذي يمر به البلد اليوم ومنذ أكثر من عام.
فمرور الوقت لم يقلص من حجم الاستياء الشعبي والرسمي من الأحداث الجارية، والدخول في لعبة العنف المفرط والعنف المضاد وتبرير استمرار العنف من طرف بسبب إصرار الطرف الآخر على ممارسة العنف والاعتداء، ما يتركنا في دوائر مغلقة لعملية عبثية تدور في محيط الوطن. هذا العبث المفرغ، الممتد عبر دوائر تعيد نفسها، سيستمر حتماً ما لم يحدث أمر يكسر حلقته المفرغة، ويوقف نزيف المواجع المتدفقة.
العنف والعنف المضاد لن يخلق حلاً أو تراجعاً، وعلى جميع الأطراف مسئولية تاريخية في وقف الخسائر البشرية والمادية والقيمية أيضاً. لم يعد المجتمع البحريني كما كان بسالف عهده، ولم يعد السلم وتقبل الآخر أمراً مألوفاً في مجتمعنا الصغير، الذي كان يشار إليه على انه أنموذج في احترام حريات الأديان والتعايش السلمي بين الملل والطوائف. لقد أضحى الوضع جنونياً، وبحاجة لوقفة جادة وصادقة.
عجز الناس عن العبور نحو المستقبل بسبب ثقل الماضي، الماضي الذي تراكم عبر سنوات من سوء العلاقة بين المواطن والسلطة، وعجز الطرفان عن حلها متجاوزين ذلك بالقفز عليها. نحن بحاجة اليوم لإيقاف العبث الهادر، وبحاجةٍ لمواجهة خلافاتنا واختلافاتنا، وبحاجةٍ لتغليب العقل والحكمة من جميع الأطراف. لا نتحدث عن انسان الوطن المشارك في المشهد اليوم، لكننا نتحدث عن الأجيال القادمة التي ستحرم من فرص التعايش السلمي، والاستقرار الأمني، والثقة بين المواطن والسلطة، تلك الثقة التي تؤسس لدولة مستقرة، قادرة على النماء والتقدم الحقيقي لا الصوري.
جميع الشعوب تطالب بالتطور في المكتسبات والحقوق، شعبنا ليس استثناءً من ذاك التطور الطبيعي للجماعات المدنية، لذا فإن الحل ليس بتجاهل أو مواجهة مطالب الشعب، بل بالارتقاء لطموحه السياسي وتوفير متطلباته التي تجعله متوافقاً مع شكل الدولة التي يسعى لها، لا بتعديلات عابرة، بل بالتأسيس لدولة يحكمها القانون، لا ذاك القانون الذي تحفظه الكتب والدساتير، بل القانون الذي يكون عصب الحياة في مفاصل الدولة، يحفظ حقوق الجميع عبر دولة مدنية متحضرة وعادلة، قائمة على المواطنة المتساوية، واحترام حريات ومعتقدات الآخرين، وصون ممتلكات الدولة والمواطن. القانون الذي يتجاوز مسألة العرق والطائفة والمذهب إلى الحقوق المتساوية بقوة القانون بين مكونات المجتمع.
من منطلق المسئولية على الدولة كجهة حاضنة لكل الشعب أن تبادر لتصحيح الاوضاع بعيداً عن العنف، على أن يتوقف العنف المضاد الذي هو نتيجة لعنف الطرف الآخر بطريقة تلقائية بغياب المثير، وربما يكون إطلاق الحوار بعد تعثره مرات عدة بداية جيدة لتحديد المطالب الرئيسية ووضع اليد على الجرح. فلا يمكن حل الأخطاء دون الاعتراف بها، وطالما كان الإنسان كائناً دينامياً فكل ما به بحاجة للسير بالسرعة والقدرة ذاتهما في التغير والتحول نحو الأمام. ولا يتعلق الأمر اليوم بالسياسة فقط، فحياتنا الاجتماعية على وشك الانهيار، وعلاقاتنا المتعددة بين مختلف طوائف المجتمع تكاد تنقطع، وحين يحدث ذلك لن تكون إعادته شيئاً يسيراً، لأن مشاعر الناس ومواجعها أمر بحاجة للزمن فقط ولأجيال متعاقبة تؤمن بالتعايش السلمي من جديد، ولن تكون هناك أجيال كهذه إن استمررنا اليوم في الانحدار نحو نهاية سلمنا الأهلي بثباتٍ مريب.