هاني الفردان
قضية هدم المساجد (الشيعية) في البحرين، من أكثر القضايا فظاعةً شهدتها البحرين خلال الأزمة التي انطلقت من 14 فبراير/ شباط 2011، ومازلنا نعيش تداعياتها حتى الآن.
هذه القضية، التي لفتت انتباه العالم بأسره، شكّلت ظاهرةً غريبةً وعجيبة، دفعت الرئيس الأميركي باراك أوباما للتطرّق إليها في خطابه الشهير بشأن الشرق الأوسط بتاريخ 19 مايو/ أيار 2011، حين أدان بشكل واضح وصريح هدم مساجد الشيعة في البحرين، حيث قال: «الأقباط يجب أن يمارسوا عباداتهم في مصر بكل حرية، ولا يجوز أن تهدم مساجد الشيعة في البحرين».
الوفود الدولية التي تزور البحرين بين الحين والآخر وبرقابة ومتابعة وملاحظة رسمية «طبعاً» ليست غبية، لكي تأخذ بكل ما يقال لها من الجانب الرسمي، الذي اعتدنا منه قلبه للحقائق، لا يقرّ بها إلا بضغوط «دولية».
وفد المفوضية الأميركية للحريات الدينية الذي زار البحرين في شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2014، كمتابعة للزيارة التي قامت بها المفوضية في العام 2012 إلى البحرين، بغرض تقييم أوضاع حرية الدين والمعتقد في البلاد، بما في ذلك مدى تنفيذ حكومة البحرين لتوصيات لجنة تقصي الحقائق، كشف حقيقة يمكن أن نسمّيها «فضيحة».
من بين مهمات الوفد الأميركي الذي زار البحرين أخيراً، الاطلاع على أعمال البناء في 10 من المساجد المهدمة من قبل السلطة في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2011، للوقوف على الجهود الحكومية لـ «تصحيح» أخطائها وتورطها في مسألة أثارت ضجة عالمية.
ماذا اكتشف الوفد الأميركي مؤخراً ونشره في تقريره الصادر في 30 أبريل/ نيسان 2014؟
جاء في التقرير: «إنه على رغم ادّعاء الحكومة بأنها هي من قامت ببناء هذه المساجد، إلا أنه تبيّن للوفد أن 6 من 10 مساجد تم بناؤها بتمويل من الأهالي، وأن الحكومة عقبت على ذلك بالقول إن هذه المساجد غير قانونية، وإنها – الحكومة – هي من منحت الأهالي التصاريح القانونية لإعادة بنائها».
كما نقلت المفوضية عن الحكومة استعدادها لتعويض الأهالي الذين قاموا ببناء المساجد المذكورة، لافتة في الوقت نفسه إلى ما اعتبرته «بعض الخلافات» بشأن إعادة بناء بعض المساجد في غير مواقعها السابقة.
ما جاء في التقرير الأميركي، ليس جديداً على الشارع البحريني، إلا أنه يشكل بصدق «فضيحة» لمن روّج كثيراً بأنه أعاد بناء مساجد ووضع مناقصات لبنائها، وفي الحقيقة أن 6 مساجد من أصل عشرة بنيت على نفقة «الشعب» وليس «الدولة» التي هدمتها من قبل، واعترفت بذلك، وتعهدت ببنائها وعلى نفقتها!
في رد الحكومة على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في 19 مايو 2011 وعلى لسان مصدر مسئول أكدت أن «المعلومة (التي أوردها أوباما) غير دقيقة، وأن ما تم إزالته هياكل عشوائية غير مرخصة وأن كل ما هو مرخص قائم بشكل قانوني، وأن كل ما هو غير قانوني تمت إزالته من قبل وزارة البلديات وليس، كما يدّعي البعض، بأن الجيش هو الذي أزالها».
ذلك الرد لم يصمد طويلاً حتى جاء تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي أكد وقائع هدم مساجد للشيعة، وأشار إلى أن حالات الهدم تلك «يُنظر إليها باعتبارها عقاباً جماعياً لأنها طُبِّقت على أبنية شيعية في الأساس، ومن ثم تسببت في زيادة التوتر بين الحكومة والسكان الشيعة».
جاء في تقرير اللجنة في الصفحة 417 المبحث الأول – هدم المنشآت الدينية – الفقرة (1335) والمتعلقة بالتوصيات أنه «في 22 مايو/ أيار 2011 أعلن جلالة الملك حمد بن عيسى أنه سيتم بناء دور عبادة جديدة للشيعة». وقد صدر هذا الإعلان بعد فترةٍ وجيزةٍ من تعرض عدد من دور العبادة إلى الهدم من قبل حكومة البحرين. والسؤال: هل تم تنفيذ ذلك الإعلان والبناء؟
وأوصت اللجنة في الفقرة (1336) بمتابعة إعلان جلالة الملك بأن حكومة البحرين ستقوم ببناء أماكن العبادة على نفقتها عوضاً عن الأماكن التي تعرضت للهدم بموجب قرارات إدارية. واللجنة ترحب بمعالجة حكومة البحرين لهذه المسألة في أقرب وقت ممكن.
الحكومة تعهدت ببناء المساجد المهدمة وعلى نفقتها الخاصة، ووفد الحريات الدينية الأميركي اكتشف أن الأهالي من قاموا ببناء 6 مساجد من أصل عشرة، أي أن الحكومة لم تلتزم بتعهداتها بتنفيذ توصيات تقصي الحقائق.
الحكومة عندما واجهها الوفد الاميركي بحقيقة من بنى المساجد المهدمة، عادت من جديد لـ «التعهد» بشيء آخر، وهو «تعويض الأهالي الذين قاموا ببناء المساجد المذكورة»!
الكل يعلم أن الحكومة لم تبنِ جميع المساجد التي هدمتها، ولو بيدها لما فعلت ذلك أبداً لولا خوفها من الضغوط الدولية، والكل متأكد أن السلطة لن تعوّض أحداً من الأهالي بعد بنائهم المساجد، بل ستجعل ذلك البناء الذي حدث على نفقة الشعب في ميزان أعمالها وتقاريرها؛ لتتغنى بتنفيذ الالتزامات المفروضة عليها، وعلى نفقة الشعب!