لم يتوقف النقاش والحوار بين علماء الحضارة والعلوم الإنسانية حول مفهوم الحضارة ومكوناتها. وأضاف النقاش الدائر تعريفات وتفسيرات جديدة للحضارة. كثرت معها المناهج والنظريات.
في هذا الفصل لن ندخل في توصيف وجهات النظر تلك، انطلاقا من أن القواسم المشتركة الموجودة بينها تجعله يسلك طريقا آخر. تحدد وجهته سلامة موقف الفكر القومي من القضية الحضارية، وخاصة عند الأستاذ في كتاباته الكثيرة عن الحضارة ومعارك الحضارة العربية.
وإذا كان هناك من قصور في هذا الفكر تجاه هذه المسألة أو تلك من المسائل الحضارية وغيرها فهذه ليست سمته وحده بل هي خصيصة يشترك فيها الفكر الماركسي والوضعي والوظيفي والبنيوي..الخ وذلك بحكم التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحدث كل يوم وشهر في المجتمعات.
أما ما يقال عن هشاشة (31) فكر الأستاذ تجاه المسائل الاجتماعية. فهي هشاشة ذلك النفر من الكتاب والمنظرين لأن هناك مسائل لا يقطع فيها الفكر العلمي، لأن الحتميات عنده غير موجودة في صورتها المطلقة.
بناء على ما تقدم، فإن توضيح معنى الحضارة سيتم من خلال تلك الاحترازات، وسيكون لآراء بعض المفكرين العرب الأولوية في هذا التفسير، لندعم من خلالها مقاربتنا مفهوم الدور الحضاري بشكل عام، وفي فكر الأستاذ عفلق بشكل خاص. وهذا التفسير سيكون جوهر هذا العمل لأن له وجهاته المنهجية في الوقفة الرصينة التي وقفها الأستاذ من مسألة الدور الحضاري، وما يعنى الأمة العربية. وما يحملها من مهام تجاه مستقبلها، وتجاه مستقبل الأمم الأخرى، على ضوء رؤيته الحوار والصراع الحضاري غير المتوقف على الإطلاق بين الحضارات. وأيضا عندما حدد وجهة هذا الدور، ومضمونه ووظيفته على المستويات الوطنية والقومية والعالمية.
لذلك نباشر بتعريف الحضارة والدور الحضاري. بالقدر الذي يخدم فيه تعريف الحضارة الدور الحضاري بناء على القواسم المشتركة بين الحضارات من جهة، واختلاف فلسفاتها واتجاهاتها من جهة ثانية لأن الفلسفات هي التي تؤدي الى اختلاف شخصية الحضارات. وهي أحد مصادر خصوصيتها الحضارية، وتفردها بدورها الحضاري.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.