رأي القدس
فرضت الحكومة العراقية حظر التجوال لجميع انواع المركبات ابتداء من فجر اليوم وحتى اشعار آخر في ارجاء محافظة صلاح الدين، وذلك في محاولة يائسة من جانبها لمنع انطلاق مظاهرات شعبية للمرة الثانية على التوالي للمطالبة بتحسين الخدمات، ومحاربة الفساد الاداري وحل ازمة البطالة والسكن.
قوات الامن الكردية استخدمت كل انواع القوة لتفريق مظاهرات شعبية، اكبرها في مدينة السليمانية احتجاجاً على تفشي الفساد والمحسوبية، وتفرد مجموعة صغيرة بمقدرات الشعب الكردي.
هذه المظاهرات الاحتجاجية وغيرها في العراق لم تحظ باهتمام وسائل الاعلام، سواء العربية او الاجنبية، رغم ان ضحايا عديدين سقطوا شهداء برصاص قوات الامن، واصيب عدد كبير من المشاركين فيها، وجميعهم من العزل.
الاوضاع المعيشية في العراق اسوأ كثيراً من العديد من الدول العربية التي تشهد حالياً ثورات عارمة لاسقاط انظمة الحكم الديكتاتورية الفاسدة فيها، ويضاف الى كل ذلك طائفية النظام الحاكم، وانعدام شبه كامل للخدمات الاساسية، وغياب الامن.
الأمر المؤكد ان 'العراق الجديد' يختلف عن جميع البلدان العربية الاخرى. لسبب بسيط واساسي وهو خضوعه للاحتلال، ووجود اكثر من خمسين الف جندي امريكي على اراضيه، وداخل قواعد عسكرية محصنة، ولكن هناك قواسم مشتركة عديدة يتصدرها الفساد والبطالة.
فالعراق يحتل المرتبة الثانية بعد الصومال كأكثر دول العالم فساداً، حسب قوائم منظمة الشفافية الدولية، وتقدر هيئات دولية مستقلة حجم الاموال التي نهبها افراد قريبون من النظام الحاكم تزيد عن خمسين مليار دولار، وقد احصى برنامج 'بانوراما' الذي بثه تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بالوثائق الدامغة سرقة 26 مليار دولار من ثروات الشعب العراقي على يد وزراء ومسؤولين تولوا مناصب كبرى في الحكومة العراقية.
وعندما يتظاهر العراقيون ضد الفساد والبطالة ويطالبون بتحسين الخدمات الاساسية، فهذا امر مشروع، فالبطالة تزيد عن ثلاثين في المئة، وامدادات الكهرباء تنخفض الى اقل من اربع ساعات في اليوم، اما القطاع الصحي ففي اسوأ حالاته، والشيء نفسه يقال عن القطاع التعليمي ايضا.
العراق بلد غني، يزيد دخله السنوي عن ثمانين مليار دولار من صادراته النفطية، ومع ذلك ما زالت الغالبية من تعداد سكانه تعيش تحت خط الفقر، بينما تتقاتل نخبته السياسية ورموزها، خاصة التي جاءت مع الاحتلال الامريكي، على المناصب والامتيازات، فرواتب اعضاء البرلمان العراقي الشهرية تفوق نظيراتها في السويد، ناهيك عن المداخيل المالية الاخرى التي تأتي على شكل بدلات.
الغريب ان تمنع حكومة العراق الجديد التي تدعي الديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الانسان مثل هذه المظاهرات والاحتجاجات، وتستخدم كل وسائل القوة لقمعها، حتى لو ادى ذلك الى سقوط ضحايا.
الاعلام بشقيه، العربي والعالمي، يجب ان يقف الى جانب هــذه الاحتجاجات ومطالب الشعب العراقي المشروعة ليس فــي الوظائف ولقمة الخبز ومكافحة الفساد، وانما ايضا في اسقاط نظام ولد من رحم الاحتلال الامريكي وتورط بشكــل مباشــر او غير مباشــر في مقتل مليون انسان عراقي على الاقل، وتمزيق البلاد ووحدتها الجغرافية والمجتمعية.